صفحة جزء
وسئل رحمه الله عن وال وضع يده على عشرين ألف درهم لإنسان وثبت عليه عند حاكم وهم يعلمون أن جميع موجوده حرام نهب أموال الناس .

فهل يجوز لهم أن يأخذوا من هذا المال عوض ما أخذه لهم لأنهم يعلمون أن جميع ماله حرام ؟ .


فأجاب : الحمد لله رب العالمين .

إن كان جميع ما بيده أخذه من [ ص: 329 ] الناس بغير حق : مثل أن يأخذ من اللصوص وقطاع الطريق بعض ما يأخذونه من أموال الناس ومثل أن يطلب ظلم أقوام فيعطوه ما ينكف به عن ظلمهم ومثل أن يحمي بعض الناس عن مساواة نظرائهم فيما يطلب منهم ليعطوه رشوة ومثل أن يظلم في حكمه أو يعدل برشوة يأخذها ومثل أن يغصب مال قوم بافتراء يفتريه عليهم ومثل أن يهدر دماء المقتولين برشوة من القاتلين .

فهذه الأموال ونحوها هي مستحقة لأصحابها .

كاللص الذي يسرق أموالا ويخلط بعضها ببعض فإن ذلك لا يحرمها على أصحابها ; بل يقتسمون الأموال بينهم على قدر حقوقهم وإن جهل عين مال الرجل لكونه باعه ونحو ذلك فعوضه يقوم مقامه .

ومن اكتسب بهذه الأموال بتجارة ونحوها فقيل : الربح لأرباب الأموال .

وقيل له : إذا اشترى في ذمته .

وقيل : بل يتصدقان به ; لأنه ربح خبيث .

وقيل : بل يقسم الربح بينه وبين أرباب الأموال كالمضاربة .

كما فعل عمر بن الخطاب في المال الذي أقرضه أبو موسى الأشعري لابنيه دون العسكر .

وهذا أعدل الأقوال .

وإذا كان كذلك فأهل الأموال يقتسمون ما وجدوه على قدر حقوقهم ; فإن ذلك إما عين أموالهم وإما وفاء ديونهم الثابتة في ذمته ; بل الحق أن حقوقهم متعلقة بالأمرين جميعا بذمته وبالأموال .

فأما إذا لم يعرف مقدار ما غصبه ولا أعيان الغرماء كلهم : فمن أخذ منهم من هذه [ ص: 330 ] الأموال قدر حقه لم يحكم بأن ذلك حرام ; لا سيما إذا كان قد اتجر في الأموال التي بيده فإنه يستحق حينئذ أكثر من قدر حقه ; لكن يخاف أن تكون الأموال التي بيده تضيق عن حقوق جميع المستحقين لكن المجهول منهم الذي لا يعلم صار كالمعدوم فإن كان الذي يأخذ قدر حقه له .

ولم يظلم سائر الغرماء المعروفين لم نحكم بتحريم ما أخذه ; لكن إن ظهر فيما بعد غرماء ولهم قسط من ماله كان لهم المطالبة بقدر حقوقهم فمن استولى على المال يؤخذ من كل واحد بقدر ما استولى والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية