صفحة جزء
وسئل رحمه الله عن أوقاف ببلد على أماكن مختلفة : من مدارس ; ومساجد وخوانك ; وجوامع ; ومارستانات ; وربط ; وصدقات وفكاك أسرى من أيدي الكفار . وبعضها له ناظر خاص وبعضها له ناظر من جهة [ ص: 85 ] ولي الأمر وقد أقام ولي الأمر على كل صنف من هذه الأصناف ديوانا يحفظون أوقافه ; ويصرفون ريعه في مصارفه ورأى الناظر أن يفرز لهذه المعاملات مستوفيا يستوفي حساب هذه المعاملات - يعني الأوقاف كلها - وينظر في تصرفات النظار والمباشرين ; ويحقق عليهم ما يجب تحقيقه من الأموال المصروفة والباقي ; وضبط ذلك عنده ; ليحفظ أموال الأوقاف عند اختلاف الأيدي ; وتغيير المباشرين ويظهر بمباشرته محافظة بعض العمال على فائدة .

فهل لولي الأمر أن يفعل ذلك إذا رأى فيه المصلحة أم لا ؟ وإذا صار الآن يفعل ذلك إذا رأى فيه مصلحة وقرر المذكور وقرر له معلوما يسيرا على كل من هذه لا يصل إلى ريع معلوم أحد المباشرين لها ودون ذلك بكثير لما يظهر له من المصلحة فيه .

فهل يكون ذلك سائغا ؟ وهل يستحق المستوفي المذكور تناول ما قرر له أم لا إذا قام بوظيفته ؟ وإذا كانت وظيفته استرجاع الحساب عن كل سنة على حكم أوضاع الكتاب ; ووجد ارتفاع حساب سنين أو أكثر فتصرف وعمل فيه وظيفته . هل يستحق معلوم المدة التي استرجع حسابهم فيها وقام بوظيفته بذلك الحساب ؟ .


فأجاب : نعم : لولي الأمر أن ينصب ديوانا مستوفيا لحساب الأموال الموقوفة عند المصلحة كما له أن ينصب الدواوين مستوفيا لحساب الأموال السلطانية : كالفيء ; وغيره . وله أن يفرض له على عمله ما يستحقه مثله : [ ص: 86 ] من كل مال يعمل فيه بقدر ذلك المال واستيفاء الحساب وضبط مقبوض المال ومصروفه من العمل الذي له أصل ; لقوله تعالى { والعاملين عليها } وفي الصحيح : { أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا على الصدقة فلما رجع حاسبه } وهذا أصل في محاسبة العمال المتفرقين . والمستوفي الجامع نائب الإمام في محاسبتهم ولا بد عند كثرة الأموال ومحاسبتهم من ديوان جامع .

ولهذا لما كثرت الأموال على عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وضع " الدواوين " ديوان الخراج وهو ديوان المستخدمين على الارتزاق واستعمل عليه عثمان بن حنيف . وديوان النفقات وهو ديوان المصروف على المقاتلة والذرية الذي يشبه في هذه الأوقات ديوان الحبس والثبوتات ونحو ذلك . واستعمل عليه زيد بن ثابت .

وكذلك الأموال الموقوفة على ولاة الأمر من الإمام والحاكم ونحوه إجراؤها على الشروط الصحيحة الموافقة لكتاب الله وإقامة العمال على ما ليس عليه عامل من جهة الناظر . والعامل في عرف الشرع يدخل فيه الذي يسمى ناظرا ويدخل فيه غير الناظر لقبض المال ممن هو عليه صرفه ودفعه إلى من هو له ; لقوله { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } .

ونصب المستوفي الجامع للعمال المتفرقين بحسب الحاجة والمصلحة . وقد يكون واجبا إذا لم تتم مصلحة قبض المال وصرفه إلا به فإن ما لا [ ص: 87 ] يتم الواجب إلا به فهو واجب . وقد يستغنى عنه عند قلة العمل ومباشرة الإمام للمحاسبة بنفسه كما في نصب الإمام للحاكم عليه أن ينصب حاكما عند الحاجة والمصلحة إذا لم تصل الحقوق إلى مستحقها أو لم يتم فعل الواجب وترك المحرم إلا به . وقد يستغني عنه الإمام إذا أمكنه مباشرة الحكم بنفسه .

{ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يباشر الحكم واستيفاء الحساب بنفسه } وفيما بعد عنه يولي من يقوم بالأمر ولما كثرت الرعية على عهد أبي بكر وعمر والخلفاء استعملوا القضاة ودونوا الدواوين في أمصارهم وغيرهما فكان عمر يستنيب زيد بن ثابت بالمدينة على القضاء والديوان . وكان بالكوفة قد استعمل عمار بن ياسر على الصلاة والحرب : مثل نائب السلطان والخطيب فإن السنة كانت أنه يصلي بالناس أمير حربهم . واستعمل عبد الله بن مسعود على القضاء وبيت المال واستعمل عثمان بن حنيف على ديوان الخراج .

وإذا قام المستوفي بما عليه من العمل استحق ما فرض له والجعل الذي ساغ له فرضه . وإذا عمل هذا ولم يعط جعله فله أن يطلب على العمل الخاص فإن ما وجب بطريق المعاملة يجب .

التالي السابق


الخدمات العلمية