صفحة جزء
وسئل رحمه الله عن وقف على أربعة أنفس : عمرو وياقوتة وجهمة وعائشة : يجري عليهم للذكر مثل حظ الأنثيين . فمن توفي منهم عن ولد أو ولد ولد أو عن نسل وعقب وإن سفل : عاد ما كان جاريا عليه من ذلك على ولده ثم على ولد ولده ثم على نسله وعقبه ثم من بعده وإن سفل بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين . ومن توفي منهم عن غير ولد ولا ولد ولد ولا نسل ولا عقب عاد نصيبه وقفا على إخوته الباقين ثم على أنسالهم وأعقابهم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين على الشرط والترتيب المقدم ذكرهما . فإذا لم يبق لهؤلاء الإخوة الموقوف عليهم نسل ولا عقب أو توفوا بأجمعهم ولم يعقبوا ولا واحد منهم عاد ذلك وقفا على الأسارى ثم على الفقراء . ثم توفي عمر عن فاطمة وتوفيت فاطمة عن عيناشي ابنة إسماعيل بن أبي يعلى ثم توفيت عيناشي عن غير نسل ولا عقب ولم يبق من [ ص: 181 ] ذرية هؤلاء الأربعة إلا بنت إسماعيل بن أبي يعلى وكلاهما من ذرية جهمة . فهاتان الجهتان اللتان تليهما عيناشي بعد موت أبيها هل ينتقل إلى أختها رقية ؟ أو إليها أو إلى ابنة عمها صفية ؟


فأجاب : هذا النصيب الذي كان لعيناشي من أمها ينتقل إلى ابنتي العم المذكورتين . ولا يجوز أن تخص به أختها لأبيها لأن الواقف ذكر : أن من توفي من هؤلاء الإخوة الموقوف عليهم عن غير ولد ولا ولد ولد ولا نسل ولا عقب عاد نصيبه وقفا على إخوته ثم على أنسالهم وأعقابهم على الشرط والترتيب المقدم ذكرهما . وهذه العبارة تعم من انقطع نسله أولا وآخرا . فكل من انقطع نسله من هؤلاء الإخوة كان نصيبه لإخوته ثم لأولادهم ; لأن الواقف لو لم يرد هذا لكان قد سكت عن بيان حكم من أعقب أولا ثم انقطع عقبه ولم يبين مصرف نصيبه . وذلك غير جائز ; لأنه إنما نقل الوقف إلى الأسرى والفقراء إذا لم يبق له ولا لموقوف عليهم نسل ولا عقب . فمتى أعقبوا - ولو واحدا منهم - لم ينتقل إلى الأسرى شيء ولا إلى الفقراء . وذلك يوجب أن ينتقل نصيب من انقطع نسله منهم إلى الإخوة الباقين وهو المطلوب . وأيضا فإنه قسم حال المتوفى من الأربعة الموقوف عليهم إلى حالين ; إما أن يكون له ولد أو نسل وعقب أو لا يكن . فإن كان له [ ص: 182 ] انتقل نصيبه إلى الولد ثم إلى ولد الولد ثم إلى النسل والعقب ; وإن لم يكن انتقل إلى الإخوة ثم إلى أولادهم . فينبغي أن يعم هذا القسم ما لم يدخل في القسم الأول ليعم البيان جميع الأحوال ; لأنه هو الظاهر من حال المتكلم ; ولأنه لو لم يكن كذلك لزم الإهمال والإلغاء وإبطال الوقف على قول . ودلالة الحال تنفي هذا الاحتمال .

وإذا عم ما لم يدخل في القسم الأول دخل فيه من لا ولد له ومن لا ولد لولده ومن لا عقب له . وإذا كان كذلك فأي هؤلاء الأربعة لم يكن له عقب كان نصيبه لإخوته ثم لعقبه . وأيضا فإن الواقف قد صرح بأن من مات منهم عن غير عقب انتقل نصيبه إلى إخوته ثم إلى أولادهم . وهذا المقصود لا يختلف بين أن لا يخلف ولدا أو يخلف ولدا ثم يخلف ولده ولدا ; فإن العاقل لا يقصد الفرق بين هاتين الحالتين ; لأن التفريق بين المتماثلين قد علم بمطرد العادة أن العاقل لا يقصده فيجب أن لا يحمل كلامه عليه ; بل يحمل كلامه على ما دل عليه دلالة الحال والعرف المطرد إذا لم يكن في اللفظ ما هو أولى منه . وإذا كان انقطاع النسل أولا وآخرا سواء بالنسبة إلى الانتقال إلى الإخوة وجب حمل الكلام عليه . واعلم أن من أمعن النظر علم قطعا أن الواقف إنما قصد هذا بدلالة الحال [ ص: 183 ] واللفظ سائغ له وليس في الكلام وجه ممكن هو أولى منه . فيجب الحمل عليه قطعا .

وأيضا فإن الوقف يراد للتأييد فيجب بيان حال المتوفى في جميع الطبقات فيكون قوله : ومن توفي منهم عن غير ولد ولا ولد ولد ولا نسل ولا عقب في قوة قوله : ومن كان منهم ميتا ولا عقب له . لأن عدم نسله بعد موته بمنزلة كونهم معدومين حال موته فلا فرق في قوله هذا وقوله : ومن مات منهم ولا ولد له . وقوله : ومن مات منهم ولم يكن له ولد . وهذه العبارة وإن كان قد لا يفهم منها إلا عدم الذرية حين الموت في بعض الأوقات ; لكن اللفظ سائغ ; لعدم الذرية مطلقا ; بحيث لو كان المتكلم قال : قد أردت هذا لم يكن خارجا عن حد الإفهام . وإذا كان اللفظ سائغا له ولم يتناول صورة الحادثة إلا هذا اللفظ : وجب إدراجها تحته ; لأن الأمر إذا دار بين صورة يحكم فيها بما يصلح له لفظ الواقف ودلالة حاله وعرف الناس كان الأول هو الواجب بلا تردد . إذا تقرر هذا : فعم جد عيناشي هو الآن متوفى عن غير ولد ولا ولد ولد ولا نسل ولا عقب فيكون نصيبه لإخوته الثلاثة على أنسالهم وأعقابهم . والحال التي انقطع فيها نسله لم يكن من ذريته إلا هاتان المرأتان فيجب أن تستويا في نصيب عيناشي . وهكذا القول في كل واحد انقطع نسله ; فإن نصيبه ينتقل إلى ذرية إخوته ; إلا أن [ ص: 184 ] يبقى أحد من ذرية أبيهم الذي انتقل إليه الوقف منه أو من ذرية أمه التي انتقل إليه الوقف منها : فيكون باقي الذرية هم المستحقين لنصيب أمهم أو أبيهم لدخولهم في قوله : فمن توفي منهم عن ولد أو ولد ولد .

واعلم أن الكلام إن لم يحمل على هذا كان نصيب هذا وقفا منقطع الانتهاء لأنه قال : فمن توفي منهم عن ولد كان نصيبه لولده ثم لولد ولده ثم لنسله وعقبه . ولم يبين بعد انقراض النسل إلى من يصير ; لكن بين في آخر الشرط أنه لا ينتقل إلى الأسرى والفقراء حتى تنقرض ذرية الأربعة فيكون مفهوم هذا الكلام صرفه إلى الذرية . وهاتان من الذرية وهما سواء في الدرجة ولم يبق غيرهما : فيجب أن يشتركا فيه . وليس بعد هذين الاحتمالين إلا أن يكون قوله : ومن توفي منهم . عائدا إلى الأربعة وذريتهم . فيقال حينئذ : عيناشي قد توفيت عن أخت من أبيها وابنة عم : فيكون نصيبه لأختها . وهذا الحمل باطل قطعا لا ينفذ حكم حاكم إن حكم بموجبه ; لأن الضمير أولا في قوله : فمن توفي منهم . عائد إلى الأربعة . فالضمير في قوله : ومن توفي منهم . عائد ثانيا إلى هؤلاء الأربعة ; لأن الرجل إذا قال : هؤلاء الأربعة من فعل منهم كذا فافعل به كذا وكذا ومن فعل منهم كذا فافعل لولده كذا : علم بالاضطرار أن الضمير الثاني هو الضمير الأول .

ولأنه قال : ومن توفي منهم عن غير ولد عاد نصيبه [ ص: 185 ] إلى إخوته الباقين . وهذا لا يقال إلا فيمن له إخوة تبقى بعد موته وإنا نعلم هذا في هؤلاء الأربعة ; لأن الواحد من ذريتهم قد لا يكون له إخوة باقون فلو أريد ذلك المعنى لقيل : على إخوته إن كان له إخوة . أو قيل : ومن مات منهم عن إخوة . كما قيل في الولد : ومن مات منهم عن ولد . وهذا ظاهر لا خفاء به . وأيضا فلو فرض أن من مات من أهل الوقف عن إخوة كان نصيبه لإخوته فإنما ذلك في الإخوة الذين شركوه في نصيب أبيه وأمه ; لا في الإخوة الذين هم أجانب عن النصيب الذي خلقه - على ما هو مقرر في موضعه من كتب الفقه على المذاهب المشهورة - وهذا النصيب إنما تلقته عيناشي من أمها . وأختها رقية أجنبية من أمها ; لأنها أختها من أبيها فقط . فنسبة أختها لأبيها وابنة عمها إلى نصيب الأم سواء . وهذا بين لمن تأمله والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية