صفحة جزء
وسئل عن رجل له جارية فأذن لولده أن يستمتع بالجارية المذكورة ويطأها ولم يصدر منه تمليك له بالجارية ولا هبة ولا غير ذلك وأن الجارية حصل لها ولد من ولد مالك الجارية المذكورة . فهل يكون الإذن في الاستمتاع والوطء تمليكا للولد ؟ وهل يكون الولد حرا وتكون الجارية أم ولد لولد مالك الجارية فيحرم بيعها للمالك والد الصبي الآذن لولده في استمتاعها ووطئها ؟


الجواب : الحمد لله . هذه المسألة تبنى على أصلين أحدهما صفة العقود . ومذهب مالك وأحمد في المشهور من مذهبه وغيرهما أن البيع والهبة والإجارة لا تفتقر إلى صيغة ; بل يثبت ذلك [ ص: 278 ] بالمعاطاة فما عده الناس بيعا أو هبة أو إجارة فهو كذلك . ومذهب الشافعي المشهور اعتبار الصيغة ; إلا في مواضع مستثناة . وحيث كان ذلك بالصيغة فليس لذلك عند الجمهور صيغة محدودة في الشرع ; بل المرجع في الصيغة المفيدة لذلك إلى عرف الخطاب . وهذا مذهب الجمهور ; ولذلك صححوا الهبة بمثل قوله : أعمرتك هذه الدار وأطعمتك هذا الطعام وحملتك على هذه الدابة ونحو ذلك مما يفهم منه أهل الخطاب به الهبة .

وتجهيز المرأة بجهازها إلى بيت زوجها تمليك كما أفتى به أصحاب أبي حنيفة وأحمد وغيرهما وذلك أن الله ذكر البيع والإجارة والعطية مطلقا في كتابه ; ليس لها حد في اللغة ولا الشرع فيرجع فيها إلى العرف . والمقصود بالخطاب إفهام المعاني فأي لفظ دل عليه مقصود العقد انعقد به . وعلى هذا قاعدة الناس إذا اشترى أحد لابنه أمة وقال : خذها لك استمتع بها ونحو ذلك كان هذا تمليكا عندهم . وأيضا : فمن كان يعلم أن الأمة لا توطأ إلا بملك إذا أذن لابنه في الاستمتاع بها لا يكون مقصوده إلا تمليكها ; فإن كان قد حصل ما يدل على التمليك على قول جمهور العلماء - وهو أصح قوليهم - كان الابن واطئا في ملكه وولده حر لاحق النسب والأمة أم ولد له لا تباع ولا توهب ولا تورث .

وأما إن قدر أن الأب لم يصدر منه تمليك بحال واعتقد الابن أنه قد ملكها : كان ولده أيضا حرا ونسبه لاحق ولا حد عليه . وإن [ ص: 279 ] اعتقد الابن أيضا أنه لم يملكها ولكن وطئها بالإذن : فهذا ينبني على " الأصل الثاني " . فإن العلماء اختلفوا فيمن وطئ أمة غيره بإذنه . قال : مالك يملكها بالقيمة حبلت أو لم تحبل . وقال الثلاثة : لا يملكها بذلك . فعلى قول مالك : هي أيضا ملك للولد وأم ولد له وولده حر . وعلى قول الثلاثة الأمة لا تصير أم ولد ; لكن الولد هل يصير حرا مثل أن يطأ جارية امرأته بإذنها ؟ فيه عن أحمد روايتان : " إحداهما " لا يكون حرا وهذا مذهب أبي حنيفة ; وإن ظن أنها حلال له . " الثاني " أن الولد يكون حرا ; وهذا هو الصحيح إذا ظن الواطئ أنها حلال فهو المنصوص عن الشافعي وأحمد في المرتهن فإذا وطئ الأمة المرهونة بإذن الراهن وظن أن ذلك جائز ; فإن ولده ينعقد حرا ; لأجل الشبهة ; فإن شبه الاعتقاد أو الملك يسقط الحد باتفاق الأئمة .

فكذلك يؤثر في حرية الولد ونسبه ; كما لو وطئها في نكاح فاسد أو ملك فاسد ; فإن الولد يكون حرا باتفاق الأئمة . وأبو حنيفة يخالفهما في هذا ويقول : الولد مملوك . وأما مالك فعنده أن الواطئ قد ملك الجارية بالوطء المأذون فيه . وهل على هذا الواطئ بالإذن قيمة الولد ؟ فيه قولان للشافعي " أحدهما " وهو المنصوص عن أحمد أنه لا تلزمه قيمته ; لأنه وطئ بإذن المالك فهو كما لو أتلف ماله بإذنه . " والثاني " تلزمه قيمته وهو قول بعض [ ص: 280 ] أصحاب أحمد . ومن أصحاب الشافعي من زعم أن هذا مذهبه قولا واحدا . وأما المهر فلا يلزمه في مذهب أحمد ومالك وغيرهما . وللشافعي فيه قولان " أحدهما " : يلزمه كما هو مذهب أبي حنيفة . وكل موضع لا تصير الأمة أم ولد فإنه يجوز بيعها .

التالي السابق


الخدمات العلمية