صفحة جزء
[ ص: 44 ] وسئل شيخ الإسلام رحمه الله عن صغيرة دون البلوغ مات أبوها : هل يجوز للحاكم أو نائبه أن يزوجها أم لا ؟ وهل يثبت لها الخيار إذا بلغت أم لا ؟


فأجاب : إذا بلغت تسع سنين فإنه يزوجها الأولياء - من العصبات والحاكم ونائبه - في ظاهر مذهب أحمد وهو مذهب أبي حنيفة وغيرهما كما دل على ذلك الكتاب والسنة في مثل قوله تعالى { ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن } وأخرجا في الصحيحين عن عروة بن الزبير أنه سأل عائشة عن قول الله عز وجل : { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع } قالت ; يا ابن أختي هذه اليتيمة في حجر وليها تشاركه في ماله فيعجبه مالها وجمالها ; فيريد وليها أن يتزوجها من غير أن يقسط في صداقها ; فيعطيها مثل ما يعطيها غيره فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن ويبلغوا بهن على سنتهن في الصداق وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن .

قال عروة : قالت عائشة : ثم إن الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية فيهن ; فأنزل الله [ ص: 45 ] عز وجل : { ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن } الآية . قالت عائشة والذي ذكر الله أنه { يتلى عليكم في الكتاب } الآية الأولى التي قالها الله عز وجل ; { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء } قالت عائشة : وقول الله عز وجل في الآية الأخرى : { وترغبون أن تنكحوهن } رغبة أحدكم عن يتيمته التي تكون في حجره حيث تكون قليلة المال والحال .

وفي لفظ آخر : إذا كانت ذات مال وجمال رغبوا في نكاحها في إكمال الصداق ; وإذا كانت مرغوبا عنها في قلة المال والجمال رغبوا عنها ; وأخذوا غيرها من النساء . قال : فكما يتركونها حتى يرغبوا عنها ; فليس لهم أن ينكحوها إذا رغبوا فيها ; إلا أن يقسطوا لها ويعطوها حقها من الصداق . فهذا يبين أن الله أذن لهم أن يزوجوا اليتامى من النساء إذا فرضوا لهن صداق مثلهن ; ولم يأذن لهم في تزويجهن بدون صداق المثل ; لأنها ليست من أهل التبرع ; ودلائل ذلك متعددة .

ثم الجمهور الذين جوزوا إنكاحها لهم قولان : " أحدهما " وهو قول أبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين : أنها تزوج بدون إذنها ; ولها الخيار إذا بلغت .

و " الثاني " وهو المشهور في مذهب أحمد وغيره : أنها لا تزوج إلا بإذنها ; ولا خيار لها إذا بلغت . وهذا هو الصحيح الذي دلت عليه السنة كما روى أبو هريرة ; قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { تستأذن [ ص: 46 ] اليتيمة في نفسها ; فإن سكتت فهو إذنها ; وإن أبت فلا جواز عليها } رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي .

وعن أبي موسى الأشعري : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { تستأمر اليتيمة في نفسها فإن سكتت فقد أذنت ; وإن أبت فلا جواز عليها } . فهذه السنة نص في القول الثالث الذي هو أعدل الأقوال أنها تزوج ; خلافا لمن قال : إنها لا تزوج حتى تبلغ فلا تصير " يتيمة " . والكتاب والسنة صريح في دخول اليتيمة قبل البلوغ في ذلك ; إذ البالغة التي لها أمر في مالها يجوز لها أن ترضى بدون صداق المثل ; ولأن ذلك مدلول اللفظ وحقيقته ولأن ما بعد البلوغ وإن سمي صاحبه يتيما مجازا فغايته أن يكون داخلا في العموم . وأما أن يكون المراد باليتيمة البالغة دون التي لم تبلغ : فهذا لا يسوغ حمل اللفظ عليه بحال . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية