صفحة جزء
[ ص: 247 ] باب العشرة وسئل شيخ الإسلام رحمه الله عن أقوام يعاشرون " المردان " وقد يقع من أحدهم قبلة ومضاجعة للصبي ويدعون أنهم يصحبون لله ; ولا يعدون ذلك ذنبا ولا عارا ; ويقولون : نحن نصحبهم بغير خنا ; ويعلم أبو الصبي بذلك وعمه وأخوه فلا ينكرون : فما حكم الله تعالى في هؤلاء ؟ وماذا ينبغي للمرء المسلم أن يعاملهم به والحالة هذه ؟


فأجاب : الحمد لله . الصبي الأمرد المليح بمنزلة المرأة الأجنبية في كثير من الأمور ولا يجوز تقبيله على وجه اللذة ; بل لا يقبله إلا من يؤمن عليه : كالأب ; والإخوة . ولا يجوز النظر إليه على هذا الوجه باتفاق الناس ; بل يحرم عند جمهورهم النظر إليه عند خوف ذلك ; وإنما ينظر إليه لحاجة بلا ريبة مثل معاملته والشهادة عليه ; ونحو ذلك كما ينظر إلى المرأة للحاجة .

وأما " مضاجعته " : فهذا أفحش من أن يسأل عنه ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { مروهم بالصلاة لسبع ; واضربوهم عليها لعشر ; وفرقوا [ ص: 248 ] بينهم في المضاجع } إذا بلغوا عشر سنين ولم يحتلموا بعد فكيف بما هو فوق ذلك وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد قال : { لا يخلو رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان } وقال : { إياكم والدخول على النساء . قالوا : يا رسول الله أفرأيت الحمو ؟ قال الحمو الموت } فإذا كانت الخلوة محرمة لما يخاف منها فكيف بالمضاجعة وأما قول القائل : إنه يفعل ذلك لله . فهذا أكثره كذب وقد يكون لله مع هوى النفس كما يدعي من يدعي مثل ذلك في صحبة النساء الأجانب ; فيبقى كما قال تعالى في الخمر { فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما } وقد روى الشعبي عن النبي صلى الله عليه وسلم { أن وفد عبد القيس لما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم وكان فيهم غلام ظاهر الوضاءة أجلسه خلف ظهره ; وقال : إنما كانت خطيئة داود عليه السلام النظر } . هذا وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مزوج بتسع نسوة ; والوفد قوم صالحون ولم تكن الفاحشة معروفة في العرب وقد روي عن المشايخ من التحذير عن صحبة " الأحداث " ما يطول وصفه .

وليس لأحد من الناس أن يفعل ما يفضي إلى هذه المفاسد المحرمة وإن ضم إلى ذلك مصلحة من تعليم أو تأديب ; فإن " المردان " يمكن تعليمهم وتأديبهم بدون هذه المفاسد التي فيها مضرة عليهم وعلى من يصحبهم وعلى المسلمين : بسوء الظن تارة وبالشبهة أخرى ; بل روي : أن رجلا كان يجلس [ ص: 249 ] إليه المردان فنهى عمر رضي الله عنه عن مجالسته . ولقي عمر بن الخطاب شابا فقطع شعره ; لميل بعض النساء إليه ; مع ما في ذلك من إخراجه من وطنه ; والتفريق بينه وبين أهله . ومن أقر صبيا يتولاه : مثل ابنه وأخيه أو مملوكه أو يتيم عند من يعاشره على هذا الوجه : فهو ديوث ملعون { ولا يدخل الجنة ديوث } فإن الفاحشة الباطنة ما يقوم عليها بينة في العادة ; وإنما تقوم على الظاهرة وهذه العشرة القبيحة من الظاهرة وقد قال الله تعالى : { ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن } وقال تعالى : { قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن } .

فلو ذكرنا ما حصل في مثل هذا من الضرر والمفاسد وما ذكره العلماء : لطال . سواء كان الرجل تقيا أو فاجرا ; فإن التقي يعالج مرارة في مجاهدة هواه وخلاف نفسه ; وكثيرا ما يغلبه شيطانه ونفسه ; بمنزلة من يحمل حملا لا يطيقه فيعذبه أو يقتله ; والفاجر يكمل فجوره بذلك . والله أعلم

التالي السابق


الخدمات العلمية