صفحة جزء
وقال رحمه الله تعالى بعد أن ذكر مبنى أحكام أصول الدين على ثلاثة أقسام الكتاب والسنة والإجماع وتقدم . فصل " والطلاق نوعان " نوع أباحه الله ونوع حرمه . فالذي أباحه أن يطلقها إذا كانت ممن تحيض بعد أن تطهر من الحيض قبل أن يطأها ويسمى " طلاق السنة " فإن كانت ممن لا تحيض طلقها أي وقت شاء أو يطلقها حاملا قد تبين حملها فإن طلقها بالحيض أو في طهر بعد أن وطئها : كان هذا طلاقا محرما بإجماع المسلمين . وفي وقوعه " قولان " للعلماء . والأظهر أنه لا يقع [ ص: 67 ] وطلاق السنة المباح : إما أن يطلقها طلقة واحدة ويدعها حتى تنقضي العدة فتبين أو يراجعها في العدة . فإن طلقها ثلاثا أو طلقها الثانية أو الثالثة في ذلك الطهر : فهذا حرام وفاعله مبتدع عند أكثر العلماء : كمالك وأبي حنيفة وأحمد في المشهور عنه وكذلك إذا طلقها الثانية والثالثة قبل الرجعة أو العقد عند مالك وأحمد في ظاهر مذهبه وغيرهما ; ولكن هل يلزمه واحدة ؟ أو ثلاث ؟ فيه قولان . قيل : يلزمه الثلاث ; وهو مذهب الشافعي .

والمعروف من مذهب الثلاثة . وقيل : لا يلزمه إلا طلقة واحدة ; وهو قول كثير من السلف والخلف وقول طائفة من أصحاب مالك وأبي حنيفة ; وهذا القول أظهر ; وقد ثبت في صحيح مسلم عن { ابن عباس قال : كان الطلاق الثلاث على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ; وصدرا من خلافة عمر : طلاق الثلاث واحدة } . وفي مسند الإمام أحمد بإسناد جيد عن ابن عباس : { أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته ثلاثا في مجلس واحد ; فقال النبي صلى الله عليه وسلم هي واحدة } ولم ينقل أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد ثابت أنه ألزم بالثلاث لمن طلقها جملة واحدة ; وحديث ركانة الذي يروي فيه أنه طلقها ألبتة ; وأن النبي صلى الله عليه وسلم " سأله " ; وقال : " ما أردت إلا واحدة " ؟ ضعيف عند أئمة الحديث : ضعفه أحمد ، والبخاري ، وأبو عبيد ، وابن حزم ; بأن رواته ليسوا موصوفين بالعدل والضبط . وبين أحمد أن الصحيح في حديث ركانة أنه طلقها ثلاثا وجعلها واحدة . وقد بسطنا الكلام في غير هذا الموضع . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية