صفحة جزء
[ ص: 197 ] وسئل رحمه الله تعالى عن نبيذ التمر ; والزبيب والمزر " والسويقة " التي تعمل من الجزر والذي يعمل من العنب " يسمى " النصوح " : هل هو حلال ؟ وهل يجوز استعمال شيء من هذا أم لا ؟


فأجاب : الحمد لله رب العالمين . كل شراب مسكر فهو خمر فهو حرام بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المستفيضة عنه باتفاق الصحابة كما ثبت عنه في الصحيح من حديث أبي موسى : { أنه سئل عن شراب يصنع من الذرة يقال له المزر وشراب يصنع من العسل يقال له البتع وكان قد أوتي النبي صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم فقال : كل مسكر حرام } وفي الصحيحين عن عائشة عنه أنه قال : { كل شراب أسكر فهو حرام } وفي الصحيح عن ابن عمر عنه أنه قال : { كل مسكر خمر وكل مسكر حرام } وفي لفظ الصحيح : { كل مسكر خمر ; وكل خمر حرام } وفي السنن عنه أنه قال : { ما أسكر كثيره فقليله حرام } وقد صحح ذلك غير واحد من الحفاظ والله عز وجل حرم عصير العنب النيء إذا غلا واشتد وقذف بالزبد ; لما فيه من الشدة المطربة التي تصد عن ذكر الله وعن الصلاة وتوقع العداوة والبغضاء . وكل ما كانت فيه هذه الشدة المطربة فهو خمر من أي مادة كان : من الحبوب ; والثمار ; وغير ذلك . وسواء كان نيئا أو مطبوخا ; [ ص: 198 ] لكنه إذا طبخ حتى ذهب ثلثاه وبقي ثلثه لم يبق مسكرا ; اللهم إلا أن يضاف إليه أفاويه أو نوع آخر . والأصل في ذلك { أن كل ما أسكر فهو حرام } وهذا مذهب جماهير العلماء الأئمة كما قال الشافعي وأحمد وغيرهم وهذا المسكر يوجب الحد على شاربه وهو نجس عند الأئمة . وكذلك " الحشيشة " المسكرة يجب فيها الحد ; وهي نجسة في أصح الوجوه ; وقد قيل : إنها طاهرة . وقيل : يفرق بين يابسها ومائعها : والأول الصحيح لأنها تسكر بالاستحالة كالخمر النيء ; بخلاف ما لا يسكر بل يغيب العقل كالبنج ; أو يسكر بعد الاستحالة كجوزة الطيب ; فإن ذلك ليس بنجس .

ومن ظن أن الحشيشة لا تسكر وإنما تغيب العقل بلا لذة فلم يعرف حقيقة أمرها ; فإنه لولا ما فيها من اللذة لم يتناولوها ولا أكلوها ; بخلاف البنج ونحوه مما لا لذة فيه . والشارع فرق في المحرمات بين ما تشتهيه النفوس وما لا تشتهيه فما لا تشتهيه النفوس كالدم والميتة اكتفي فيه بالزاجر الشرعي ; فجعل العقوبة فيه التعزيز . وأما ما تشتهيه النفوس فجعل فيه مع الزاجر الشرعي زاجرا طبيعيا وهو الحد . " والحشيشة " من هذا الباب .

التالي السابق


الخدمات العلمية