صفحة جزء
[ ص: 141 ] وقال : - فصل : قال الله تعالى : { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه } وقال تعالى : { قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى } وقال تعالى : { الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى } وقال تعالى : { هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى } و " الحسنى " : المفضلة على الحسنة والواحد الأحاسن .

ثم هنا " ثلاثة أقوال " : إما أن يقال : ليس له من الأسماء إلا الأحسن ولا يدعى إلا به ; وإما أن يقال : لا يدعى إلا بالحسنى ; وإن سمي بما يجوز - وإن لم يكن من الحسنى - وهذان قولان معروفان .

وإما أن يقال : بل يجوز في الدعاء والخبر . وذلك أن قوله : { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها } وقال : { ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى } أثبت له الأسماء الحسنى وأمر بالدعاء بها . فظاهر هذا : أن له جميع الأسماء الحسنى .

[ ص: 142 ] وقد يقال : جنس " الأسماء الحسنى " بحيث لا يجوز نفيها عنه كما فعله الكفار وأمر بالدعاء بها وأمر بدعائه مسمى بها ; خلاف ما كان عليه المشركون من النهي عن دعائه باسمه " الرحمن " . فقد يقال : قوله { فادعوه بها } أمر أن يدعى بالأسماء الحسنى وأن لا يدعى بغيرها ; كما قال : { ادعوهم لآبائهم } فهو نهي أن يدعوا لغير آبائهم .

ويفرق بين دعائه والإخبار عنه فلا يدعى إلا بالأسماء الحسنى ; وأما الإخبار عنه : فلا يكون باسم سيئ ; لكن قد يكون باسم حسن أو باسم ليس بسيئ وإن لم يحكم بحسنه . مثل اسم شيء وذات وموجود ; إذا أريد به الثابت وأما إذا أريد به " الموجود عند الشدائد " فهو من الأسماء الحسنى وكذلك المريد والمتكلم ; فإن الإرادة والكلام تنقسم إلى محمود ومذموم فليس ذلك من الأسماء الحسنى بخلاف الحكيم والرحيم والصادق ونحو ذلك فإن ذلك لا يكون إلا محمودا .

وهكذا كما في حق الرسول حيث قال : { لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا } فأمرهم أن يقولوا يا رسول الله يا نبي الله كما خاطبه الله بقوله : { يا أيها النبي } { يا أيها الرسول } لا يقول يا محمد يا أحمد يا أبا القاسم وإن كانوا يقولون في الإخبار - كالأذان ونحوه - : أشهد أن محمدا رسول الله كما قال تعالى { محمد رسول الله } وقال : { ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد } وقال : { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله } .

[ ص: 143 ] فهو سبحانه : لم يخاطب محمدا إلا بنعت التشريف : كالرسول والنبي والمزمل والمدثر ; وخاطب سائر الأنبياء بأسمائهم مع أنه في مقام الإخبار عنه قد يذكر اسمه . فقد فرق سبحانه بين حالتي الخطاب في حق الرسول وأمرنا بالتفريق بينهما في حقه ; وكذلك هو المعتاد في عقول الناس إذا خاطبوا الأكابر من الأمراء والعلماء والمشايخ والرؤساء لم يخاطبوهم ويدعوهم إلا باسم حسن ; وإن كان في حال الخبر عن أحدهم يقال : هو إنسان وحيوان ناطق وجسم ومحدث ومخلوق ومربوب ومصنوع وابن أنثى ويأكل الطعام ويشرب الشراب .

لكن كل ما يذكر من أسمائه وصفاته في حال الإخبار عنه : يدعى به في حال مناجاته ومخاطبته ; وإن كانت أسماء المخلوق فيها ما يدل على نقصه وحدوثه وأسماء الله ليس فيها ما يدل على نقص ولا حدوث ; بل فيها الأحسن الذي يدل على الكمال وهي التي يدعى بها ; وإن كان إذا أخبر عنه يخبر باسم حسن أو باسم لا ينفي الحسن ولا يجب أن يكون حسنا .

وأما في الأسماء المأثورة فما من اسم إلا وهو يدل على معنى حسن فينبغي تدبر هذا للدعاء وللخبر المأثور وغير المأثور الذي قيل لضرورة حدوث المخالفين - للتفريق بين الدعاء والخبر وبين المأثور الذي يقال - أو تعريفهم لما لم يكونوا به عارفين وحينئذ فليس كل اسم ذكر في مقام يذكر في مقام بل يجب التفريق .

التالي السابق


الخدمات العلمية