صفحة جزء
[ ص: 212 ] باب الذكاة سئل شيخ الإسلام قدس الله روحه عن جماعة من المسلمين اشتد نكيرهم على من أكل ذبيحة يهودي أو نصراني مطلقا ولا يدري ما حالهم : هل دخلوا في دينهم قبل نسخه وتحريفه وقبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ؟ أم بعد ذلك ؟ بل يتناكحون وتقر مناكحتهم عند جميع الناس وهم أهل ذمة يؤدون الجزية ولا يعرف من هم ولا من آباؤهم : فهل للمنكرين عليهم منعهم من الذبح للمسلمين ؟ أم لهم الأكل من ذبائحهم كسائر بلاد المسلمين .


فأجاب رضي الله عنه ليس لأحد أن ينكر على أحد أكل من ذبيحة اليهود والنصارى في هذا الزمان ولا يحرم ذبحهم للمسلمين ومن أنكر ذلك فهو جاهل مخطئ ; مخالف لإجماع المسلمين فإن أصل هذه المسألة فيها نزاع مشهور بين علماء المسلمين ومسائل الاجتهاد لا يسوغ فيها الإنكار إلا ببيان الحجة وإيضاح المحجة : لا الإنكار المجرد المستند إلى [ ص: 213 ] محض التقليد ; فإن هذا فعل أهل الجهل والأهواء كيف والقول بتحريم ذلك في هذا الزمان وقبله قول ضعيف جدا مخالف لما علم من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما علم من حال أصحابه والتابعين لهم بإحسان وذلك لأن المنكر لهذا لا يخرج عن " قولين " . إما أن يكون ممن يحرم " ذبائح أهل الكتاب " مطلقا كما يقول ذلك من يقوله من الرافضة . وهؤلاء يحرمون نكاح نسائهم وأكل ذبائحهم . وهذا ليس من أقوال أحد من أئمة المسلمين المشهورين بالفتيا ولا من أقوال أتباعهم . وهو خطأ مخالف للكتاب والسنة والإجماع القديم فإن الله تعالى قال في كتابه : { وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } . فإن قيل هذه الآية معارضة بقوله : { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن } وبقوله تعالى : { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } . قيل الجواب من ثلاثة أوجه .

أحدها أن الشرك المطلق في القرآن لا يدخل فيه أهل الكتاب ; وإنما يدخلون في الشرك المقيد قال تعالى : { لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين } فجعل المشركين قسما غير أهل الكتاب وقال تعالى : { إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا } فجعلهم قسما غيرهم . فأما دخولهم في المقيد ففي قوله تعالى : { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون } فوصفهم بأنهم مشركون . وسبب هذا أن أصل دينهم الذي أنزل الله به الكتب وأرسل به الرسل ليس فيه شرك كما قال تعالى : { وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون } وقال تعالى : { واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون } وقال : { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } ولكنهم بدلوا وغيروا فابتدعوا من الشرك ما لم ينزل به الله سلطانا فصار فيهم شرك باعتبار ما ابتدعوا ; لا باعتبار أصل الدين . وقوله تعالى : { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } هو تعريف الكوافر المعروفات اللاتي كن في عصم المسلمين وأولئك كن مشركات ; لا كتابيات من أهل مكة ونحوها .

[ ص: 215 ] " الوجه الثاني " إذا قدر أن لفظ " المشركات " و " الكوافر " يعم الكتابيات : فآية المائدة خاصة وهي متأخرة نزلت بعد سورة البقرة والممتحنة باتفاق العلماء كما في الحديث : " { المائدة من آخر القرآن نزولا فأحلوا حلالها وحرموا حرامها } والخاص المتأخر يقضي على العام المتقدم باتفاق علماء المسلمين ; لكن الجمهور يقولون : إنه مفسر له . فتبين أن صورة التخصيص لم ترد باللفظ العام . وطائفة يقولون : إن ذلك نسخ بعد أن شرع . " الوجه الثالث " إذا فرضنا النصين خاصين فأحد النصين حرم ذبائحهم ونكاحهم والآخر أحلهما . فالنص المحلل لهما هنا يجب تقديمه لوجهين . " أحدهما " أن سورة المائدة هي المتأخرة باتفاق العلماء فتكون ناسخة للنص المتقدم . ولا يقال إن هذا نسخ للحكم مرتين ; لأن فعل ذلك قبل التحريم لم يكن بخطاب شرعي حلل ذلك ; بل كان لعدم التحريم ; بمنزلة شرب الخمر وأكل الخنزير ونحو ذلك . والتحريم المبتدأ لا يكون نسخا لاستصحاب حكم الفعل ; ولهذا لم يكن تحريم النبي صلى الله عليه وسلم " { لكل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير } ناسخا لما دل عليه قوله تعالى : { قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه } الآية - من أن الله عز وجل لم يحرم قبل نزول الآية إلا هذه الأصناف الثلاثة ; فإن هذه الآية نفت تحريم ما سوى الثلاثة إلى حين نزول هذه الآية ; ولم يثبت تحليل [ ص: 216 ] ما سوى ذلك ; بل كان ما سوى ذلك عفوا لا تحليل فيه ولا تحريم كفعل الصبي والمجنون .

وكما في الحديث المعروف " { الحلال ما حلله الله في كتابه والحرام ما حرمه الله في كتابه وما سكت عنه فهو مما عفا عنه } وهذا محفوظ عن سلمان الفارسي موقوفا عليه أو مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم . ويدل على ذلك أنه قال في سورة المائدة : { اليوم أحل لكم الطيبات } فأخبر أنه أحلها ذلك اليوم وسورة المائدة مدنية بالإجماع وسورة الأنعام مكية بالإجماع . فعلم أن تحليل الطيبات كان بالمدينة لا بمكة وقوله تعالى : { يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات } وقال تعالى : { وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم } إلى آخرها . فثبت نكاح الكتابيات وقيل ذلك كان إما عفوا على الصحيح وإما محرما ثم نسخ . يدل عليه أن آية المائدة لم ينسخها شيء . " الوجه الثاني " أنه قد ثبت حل طعام أهل الكتاب بالكتاب والسنة والإجماع والكلام في نسائهم كالكلام في ذبائحهم فإذا ثبت حل أحدهما ثبت حل الآخر ; وحل أطعمتهم ليس له معارض أصلا .

ويدل على ذلك أن حذيفة بن اليمان تزوج يهودية ولم ينكر عليه أحد من الصحابة فدل على أنهم كانوا مجتمعين على جواز ذلك . [ ص: 217 ] فإن قيل قوله تعالى : { وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم } محمول على الفواكه والحبوب . قيل : هذا خطأ لوجوه . " أحدها " أن هذه مباحة من أهل الكتاب والمشركين والمجوس فليس في تخصيصها بأهل الكتاب فائدة . " الثاني " أن إضافة الطعام إليهم يقتضي أنه صار طعاما بفعلهم وهذا إنما يستحق في الذبائح التي صارت لحما بذكاتهم . فأما الفواكه فإن الله خلقها مطعومة لم تصر طعاما بفعل آدمي . " الثالث " أنه قرن حل الطعام بحل النساء وأباح طعامنا لهم كما أباح طعامهم لنا . ومعلوم أن حكم النساء مختص بأهل الكتاب دون المشركين فكذلك حكم الطعام . والفاكهة والحب لا يختص بأهل الكتاب . " الرابع " أن لفظ " الطعام " عام . وتناوله اللحم ونحوه أقوى من تناوله للفاكهة فيجب إقرار اللفظ على عمومه ; لا سيما وقد قرن به قوله تعالى : { وطعامكم حل لهم } ونحن يجوز لنا أن نطعمهم كل أنواع طعامنا فكذلك يحل لنا أن نأكل جميع أنواع طعامهم . وأيضا فقد ثبت في الصحاح ; بل بالنقل المستفيض : { أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدت له اليهودية عام خيبر شاة مشوية فأكل منها لقمة ثم [ ص: 218 ] قال : إن هذه تخبرني أن فيها سما } ولولا أن ذبائحهم حلال لما تناول من تلك الشاة . وثبت في الصحيح : " { أنهم لما غزوا خيبر أخذ بعض الصحابة جرابا فيه شحم قال قلت لا أطعم اليوم من هذا أحدا فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك ولم ينكر عليه } . وهذا مما استدل به العلماء على جواز أكل جيش المسلمين من طعام أهل الحرب قبل القسمة .

وأيضا فإن { رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاب دعوة يهودي إلى خبز شعير وإهالة سنخة } رواه الإمام أحمد . و " الإهالة " من الودك الذي يكون من الذبيحة من السمن ونحوه الذي يكون في أوعيتهم التي يطبخون فيها في العادة ولو كانت ذبائحهم محرمة لكانت أوانيهم كأواني المجوس ونحوهم وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم " { أنه نهى عن الأكل في أوعيتهم حتى رخص أن يغسل } . وأيضا فقد استفاض أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتحوا الشام والعراق ومصر كانوا يأكلون من ذبائح أهل الكتاب اليهود والنصارى وإنما امتنعوا من ذبائح المجوس . ووقع في جبن المجوس من النزاع ما هو معروف بين المسلمين ; لأن الجبن يحتاج إلى الإنفحة . وفي إنفحة الميتة نزاع معروف بين العلماء . فأبو حنيفة يقول بطهارتها ومالك والشافعي يقولان بنجاستها وعن أحمد روايتان .

[ ص: 219 ] فصل " المأخذ الثاني " الإنكار على من يأكل ذبائح أهل الكتاب هو كون هؤلاء الموجودين لا يعلم أنهم من ذرية من دخل في دينهم قبل النسخ والتبديل وهو المأخذ الذي دل عليه كلام السائل ; وهو المأخذ الذي تنازع فيه علماء المسلمين أهل السنة والجماعة . وهذا مبني على أصل ; وهو أن قوله تعالى : { وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } هل المراد به من هو بعد نزول القرآن متدين بدين أهل الكتاب ؟ أو المراد به من كان آباؤه قد دخلوا في دين أهل الكتاب قبل النسخ والتبديل ؟ على قولين للعلماء .

" فالقول الأول " هو قول جمهور المسلمين من السلف والخلف وهو مذهب أبي حنيفة ; ومالك وأحد القولين في مذهب أحمد ; بل هو المنصوص عنه صريحا .

و " الثاني " قول الشافعي ; وطائفة من أصحاب أحمد . وأصل هذا القول أن عليا وابن عباس تنازعا في ذبائح بني تغلب فقال علي : لا تباح ذبائحهم ولا نساؤهم ; فإنهم لم يتمسكوا من النصرانية إلا بشرب [ ص: 220 ] الخمر وروي عنه [ أنه قال ] نغزوهم لأنهم لم يقوموا بالشروط التي شرطها عليهم عثمان ; فإنه شرط عليهم أن وغير ذلك من الشروط . وقال ابن عباس : بل تباح ; لقوله تعالى : { ومن يتولهم منكم فإنه منهم } . وعامة المسلمين من الصحابة وغيرهم لم يحرموا ذبائحهم ; ولا يعرف ذلك إلا عن علي وحده وقد روي معنى قول ابن عباس عن عمر بن الخطاب . فمن العلماء من رجح قول عمر وابن عباس وهو قول الجمهور : كأبي حنيفة ومالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه وصححها طائفة من أصحابه ; بل هي آخر قوليه ; بل عامة المسلمين من الصحابة والتابعين وتابعيهم على هذا القول . وقال أبو بكر الأثرم : ما علمت أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كرهه إلا عليا وهذا قول جماهير فقهاء الحجاز والعراق وفقهاء الحديث والرأي كالحسن وإبراهيم النخعي والزهري وغيرهم وهو الذي نقله عن أحمد أكثر أصحابه وقال إبراهيم بن الحارث : كان آخر قول أحمد على أنه لا يرى بذبائحهم بأسا . ومن العلماء من رجح قول علي وهو قول الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه . وأحمد إنما اختلف اجتهاده في بني تغلب ; وهم الذين تنازع فيهم الصحابة . فأما سائر اليهود والنصارى من العرب مثل : تنوخ وبهراء [ ص: 221 ] وغيرهما من اليهود : فلا أعرف عن أحمد في حل ذبائحهم نزاعا ; ولا عن الصحابة ولا عن التابعين وغيرهم من السلف ; وإنما كان النزاع بينهم في بني تغلب خاصة ; ولكن من أصحاب أحمد من جعل فيهم روايتين كبني تغلب . والحل مذهب الجمهور كأبي حنيفة ومالك وما أعلم للقول الآخر قدوة من السلف . ثم هؤلاء المذكورون من أصحاب أحمد [ قالوا ] من كان أحد أبويه غير كتابي بل مجوسيا لم تحل ذبيحته ومناكحة نسائه . وهذا مذهب الشافعي فيما إذا كان الأب مجوسيا . وأما الأم فله فيها قولان فإن كان الأبوان مجوسيين حرمت ذبيحته عند الشافعي ومن وافقه من أصحاب أحمد وحكي ذلك عن مالك . وغالب ظني أن هذا غلط على مالك ; فإني لم أجده في كتب أصحابه وهذا تفريع على الرواية المخرجة عن أحمد في سائر اليهود والنصارى من العرب . وهذا مبني على إحدى الروايتين عنه في نصارى بني تغلب وهو الرواية التي اختارها هؤلاء .

فأما إذا جعل الروايتين في بني تغلب دون غيرهم من العرب أو قيل إن النزاع عام وفرعنا على القول بحل ذبائح بني تغلب ونسائهم كما هو قول الأكثرين : فإنه على هذه الرواية لا عبرة بالنسب ; بل لو كان الأبوان جميعا مجوسيين أو وثنيين والولد من أهل الكتاب فحكمه حكم أهل الكتاب على هذا القول بلا ريب كما صرح بذلك الفقهاء من أصحاب أحمد وأبي حنيفة وغيرهم . [ ص: 222 ] ومن ظن من أصحاب أحمد وغيرهم أن تحريم نكاح من أبواه مجوسيان أو أحدهما مجوسي قول واحد في مذهبه فهو مخطئ خطأ لا ريب فيه لأنه لم يعرف أصل النزاع في هذه المسألة ; ولهذا كان من هؤلاء من يتناقض فيجوز أن يقر بالجزية من دخل في دينهم بعد النسخ والتبديل ويقول مع هذا بتحريم نكاح نصراني العرب مطلقا ومن كان أحد أبويه غير كتابي كما فعل ذلك طائفة من أصحاب أحمد . وهذا تناقض . والقاضي أبو يعلى وإن كان قد قال هذا القول هو وطائفة من أتباعه فقد رجع عن هذا القول في " الجامع الكبير " وهو آخر كتبه فذكر فيمن انتقل إلى دين أهل الكتاب من عبدة الأوثان : كالروم وقبائل من العرب وهم تنوخ ; وبهراء ومن بني تغلب هل تجوز مناكحتهم ; وأكل ذبائحهم ؟ وذكر أن المنصوص عن أحمد أنه لا بأس بنكاح نصارى بني تغلب وأن الرواية الأخرى مخرجة على الروايتين عنه في ذبائحهم ; واختار أن المنتقل إلى دينهم حكمه حكمهم سواء كان انتقاله بعد مجيء شريعتنا أو قبلها وسواء انتقل إلى دين المبدلين أو دين لم يبدل ويجوز مناكحته وأكل ذبيحته . وإذا كان هذا فيمن أبواه مشركان من العرب والروم فمن كان أحد أبويه مشركا فهو أولى بذلك . هذا هو المنصوص عن أحمد فإنه قد نص على أنه من دخل في دينهم بعد النسخ والتبديل كمن دخل في دينهم في هذا الزمان فإنه يقر بالجزية .

قال أصحابه : وإذ أقررناه بالجزية حلت ذبائحهم ونساؤهم وهو مذهب أبي حنيفة ومالك وغيرهما . [ ص: 223 ] وأصل النزاع في هذه المسألة ما ذكرته من نزاع علي وغيره من الصحابة في بني تغلب والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه والجمهور أحلوها وهي الرواية الأخرى عن أحمد . ثم الذين كرهوا ذبائح بني تغلب تنازعوا في مأخذ علي . فظن بعضهم أن عليا إنما حرم ذبائحهم ونساءهم لكونه لم يعلم أن آباءهم دخلوا في دين أهل الكتاب قبل النسخ والتبديل . وبنوا على هذا أن الاعتبار في أهل الكتاب بالنسب لا بنفس الرجل وأن من شككنا في أجداده هل كانوا من أهل الكتاب أم لا ؟ أخذنا بالاحتياط فحقنا دمه بالجزية احتياطا وحرمنا ذبيحته ونساءه احتياطا . وهذا مأخذ الشافعي ومن وافقه من أصحاب أحمد . وقال آخرون : بل علي لم يكره ذبائح بني تغلب إلا لكونهم ما تدينوا بدين أهل الكتاب في واجباته ومحظوراته ; بل أخذوا منه حل المحرمات فقط ; ولهذا قال : إنهم لم يتمسكوا من دين أهل الكتاب إلا بشرب الخمر . وهذا المأخذ من قول علي هو المنصوص عن أحمد وغيره وهو الصواب .

" وبالجملة " فالقول بأن أهل الكتاب المذكورين في القرآن هم من كان دخل جده في ذلك قبل النسخ والتبديل قول ضعيف . والقول بأن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أراد ذلك قول ضعيف ; بل الصواب المقطوع به أن كون [ ص: 224 ] الرجل كتابيا أو غير كتابي هو حكم مستقل بنفسه لا بنسبة وكل من تدين بدين أهل الكتاب فهو منهم سواء كان أبوه أو جده دخل في دينهم أو لم يدخل وسواء كان دخوله قبل النسخ والتبديل أو بعد ذلك .

وهذا مذهب جمهور العلماء كأبي حنيفة ومالك والمنصوص الصريح عن أحمد وإن كان بين أصحابه في ذلك نزاع معروف . وهذا القول هو الثابت عن الصحابة رضي الله عنهم ولا أعلم بين الصحابة في ذلك نزاعا وقد ذكر الطحاوي أن هذا إجماع قديم واحتج بذلك في هذه المسألة على من لا يقر الرجل في دينهم بعد النسخ والتبديل كمن هو في زماننا إذا انتقل إلى دين أهل الكتاب فإنه تؤكل ذبيحته وتنكح نساؤه . وهذا يبين خطأ من يناقض منهم . وأصحاب هذا القول الذي هو قول الجمهور يقولون من دخل هو أو أبواه أو جده في دينهم بعد النسخ والتبديل أقر بالجزية سواء دخل في زماننا هذا أو قبله . وأصحاب القول الآخر يقولون : متى علمنا أنه لم يدخل إلا بعد النسخ والتبديل لم تقبل منه الجزية ; كما يقوله بعض أصحاب أحمد مع أصحاب الشافعي . والصواب قول الجمهور ; والدليل عليه وجوه :

" أحدها " أنه قد ثبت أنه كان من أولاد الأنصار جماعة تهودوا قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بقليل كما قال ابن عباس . إن المرأة كانت مقلاتا - والمقلات التي لا يعيش لها ولد . كثيرة القلت والقلت الموت والهلاك كما يقال : امرأة مذكار وميناث إذا كانت كثيرة الولادة [ ص: 225 ] للذكور والإناث والسما الكثيرة الموت . قال ابن عباس - فكانت المرأة تنذر إن عاش لها ولدان تجعل أحدهما يهوديا لكون اليهود كانوا أهل علم وكتاب والعرب كانوا أهل شرك وأوثان ; فلما بعث الله محمدا كان جماعة من أولاد الأنصار تهودوا فطلب آباؤهم أن يكرهوهم على الإسلام فأنزل الله تعالى : { لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي } الآية . فقد ثبت أن هؤلاء كان آباؤهم موجودين تهودوا . ومعلوم أن هذا دخول بأنفسهم في اليهودية قبل الإسلام وبعد مبعث المسيح وهذا بعد النسخ والتبديل ومع هذا نهى الله عز وجل عن إكراه هؤلاء الذين تهودوا بعد النسخ والتبديل على الإسلام وأقرهم بالجزية . وهذا صريح في جواز عقد الذمة لمن دخل بنفسه في دين أهل الكتاب بعد النسخ والتبديل . فعلم أن هذا القول هو الصواب دون الآخر . ومتى ثبت أنه يعقد له الذمة ثبت أن العبرة بنفسه لا بنسبه وأنه تباح ذبيحته وطعامه باتفاق المسلمين ; فإن المانع لذلك لم يمنعه إلا بناء على أن هذا الصنف ليسوا من أهل الكتاب فلا يدخلون فإذا ثبت بنص السنة أنهم من أهل الكتاب دخلوا في الخطاب بلا نزاع .

" الوجه الثاني " أن جماعة من اليهود الذين كانوا بالمدينة وحولها كانوا عربا ودخلوا في دين اليهود ; ومع هذا فلم يفصل النبي صلى الله عليه وسلم في أكل طعامهم وحل نسائهم وإقرارهم بالذمة : بين من دخل أبواه بعد مبعث عيسى عليه السلام ومن دخل قبل ذلك ; ولا بين المشكوك في نسبه ; بل حكم [ ص: 226 ] في الجميع حكما واحدا عاما . فعلم أن التفريق بين طائفة وطائفة وجعل طائفة لا تقر بالجزية وطائفة تقر ولا تؤكل ذبائحهم وطائفة يقرون وتؤكل ذبائحهم : تفريق ليس له أصل في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه . وقد علم بالنقل الصحيح المستفيض أن أهل المدينة كان فيهم يهود كثير من العرب وغيرهم من بني كنانة وحمير وغيرهما من العرب ; ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لما بعثه إلى اليمن : " { إنك تأتي قوما أهل كتاب وأمره أن يأخذ من كل حالم دينارا أو عدله معافريا } ولم يفرق بين من دخل أبوه قبل النسخ أو بعده . وكذلك وفد نجران وغيرهم من النصارى الذين كان فيهم عرب كثيرون أقرهم بالجزية وكذلك سائر اليهود والنصارى من العرب لم يفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من خلفائه وأصحابه بين بعضهم وبعض بل قبلوا منهم الجزية وأباحوا ذبائحهم ونساءهم . وكذلك نصارى الروم وغيرهم لم يفرقوا بين صنف وصنف . ومن تدبر السيرة النبوية علم كل هذا بالضرورة وعلم أن التفريق قول محدث لا أصل له في الشريعة .

" الوجه الثالث " أن كون الرجل مسلما أو يهوديا أو نصرانيا ونحو ذلك من أسماء الدين هو حكم يتعلق بنفسه ; لاعتقاده وإرادته وقوله وعمله ; لا يلحقه هذا الاسم بمجرد اتصاف آبائه بذلك ; لكن الصغير حكمه في أحكام الدنيا حكم أبويه ; لكونه لا يستقل بنفسه فإذا بلغ وتكلم بالإسلام أو بالكفر كان حكمه معتبرا بنفسه باتفاق المسلمين فلو كان أبواه [ ص: 227 ] يهودا أو نصارى فأسلم كان من المسلمين باتفاق المسلمين ; ولو كانوا مسلمين فكفر كان كافرا باتفاق المسلمين ; فإن كفر بردة لم يقر عليه لكونه مرتدا لأجل آبائه . وكل حكم علق بأسماء الدين من إسلام وإيمان وكفر ونفاق وردة وتهود وتنصر إنما يثبت لمن اتصف بالصفات الموجبة لذلك . وكون الرجل من المشركين أو أهل الكتاب هو من هذا الباب ; فمن كان بنفسه مشركا فحكمه حكم أهل الشرك وإن كان أبواه غير مشركين ومن كان أبواه مشركين وهو مسلم فحكمه حكم المسلمين لا حكم المشركين فكذلك إذا كان يهوديا أو نصرانيا وآباؤه مشركين فحكمه حكم اليهود والنصارى . أما إذا تعلق عليه حكم المشركين مع كونه من اليهود والنصارى لأجل كون آبائه قبل النسخ والتبديل كانوا مشركين فهذا خلاف الأصول .

" الوجه الرابع " أن يقال : قوله تعالى : { لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين } وقوله : { وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا } وأمثال ذلك إنما هو خطاب لهؤلاء الموجودين وإخبار عنهم . والمراد بالكتاب هو الكتاب الذي بأيديهم الذي جرى عليه من النسخ والتبديل ما جرى ليس المراد به من كان متمسكا به قبل النسخ والتبديل فإن أولئك لم يكونوا كفارا ; ولا هم ممن خوطبوا بشرائع القرآن ولا قيل لهم في القرآن : { يا أهل الكتاب } فإنهم قد ماتوا قبل نزول القرآن . وإذا كان كذلك فكل من تدين بهذا الكتاب الموجود عند [ ص: 228 ] أهل الكتاب فهو من أهل الكتاب وهم كفار تمسكوا بكتاب مبدل منسوخ ; وهم مخلدون في نار جهنم كما يخلد سائر أنواع الكفار والله تعالى مع ذلك شرع إقرارهم بالجزية وأحل طعامهم ونساءهم .

" الوجه الخامس " أن يقال : هؤلاء الذين كفروا من أهل الكتاب بالقرآن هم كفار وإن كان أجدادهم كانوا مؤمنين وليس عذابهم في الآخرة بأخف من عذاب من كان أبوه من غير أهل الكتاب ; بل وجود النسب الفاضل هو إلى تغليظ كفرهم أقرب منه إلى تخفيف كفرهم . فمن كان أبوه مسلما وارتد كان كفره أغلظ من كفر من أسلم هو ثم ارتد ; ولهذا تنازع الناس فيمن ولد على الفطرة إذا ارتد ثم عاد إلى الإسلام : هل تقبل توبته ؟ على قولين . هما روايتان عن أحمد . وإذا كان كذلك فمن كان أبوه من أهل الكتاب قبل النسخ والتبديل ثم إنه لما بعث الله عيسى ومحمدا صلى الله عليه وسلم كفر بهما وبما جاءا به من عند الله واتبع الكتاب المبدل المنسوخ كان كفره من أغلظ الكفر ولم يكن كفره أخف من كفر من دخل بنفسه في هذا الدين المبدل ولا له بمجرد نسبه حرمة عند الله ولا عند رسوله ولا ينفعه دين آبائه إذا كان هو مخالفا لهم فإن آباءه كانوا إذ ذاك مسلمين ; فإن دين الله هو الإسلام في كل وقت فكل من آمن بكتب الله ورسله في كل زمان فهو مسلم ومن كفر بشيء من كتب الله ورسله فليس مسلما في أي زمان كان . [ ص: 229 ] وإذا لم يكن لأولاد بني إسرائيل إذا كفروا مزية على أمثالهم من الكفار الذين ماثلوهم في اتباع الدين المبدل المنسوخ علم بذلك بطلان الفرق بين الطائفتين وإكرام هؤلاء بإقرارهم بالجزية وحل ذبائحهم ونسائهم دون هؤلاء وأنه [ ثم ] فرق مخالف لأصول الإسلام وأنه لو كان الفرق بالعكس كان أولى ولهذا يوبخ الله بني إسرائيل على تكذيبهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ما لا يوبخه غيرهم من أهل الكتاب ; لأنه تعالى أنعم على أجدادهم نعما عظيمة في الدين والدنيا فكفروا نعمته وكذبوا رسله وبدلوا كتابه وغيروا دينه { ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون } . فهم مع شرف آبائهم وحق دين أجدادهم من أسوأ الكفار عند الله وهو أشد غضبا عليهم من غيرهم ; لأن في كفرهم من الاستكبار والحسد والمعاندة والقسوة وكتمان العلم وتحريف الكتاب وتبديل النص وغير ذلك ما ليس في كفر هؤلاء فكيف يجعل لهؤلاء الأرجاس الأنجاس الذين هم من أبغض الخلق إلى الله مزية على إخوانهم الكفار مع أن كفرهم إما مماثل لكفر إخوانهم الكفار وإما أغلظ منه ; إذ لا يمكن أحدا أن يقول : إن كفر الداخلين أغلظ من كفر هؤلاء مع تماثلهما في الدين بهذا الكتاب الموجود . [ ص: 230 ]

" الوجه السادس " أن تعليق الشرف في الدين بمجرد النسب هو حكم من أحكام الجاهلية الذين اتبعتهم عليه الرافضة وأشباههم من أهل الجهل ; فإن الله تعالى قال : { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم } وقال النبي صلى الله عليه وسلم " { لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأسود على أبيض ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى . الناس من آدم وآدم من تراب } ولهذا ليس في كتاب الله آية واحدة يمدح فيها أحدا بنسبه ولا يذم أحدا بنسبه ; وإنما يمدح بالإيمان والتقوى ويذم بالكفر والفسوق والعصيان وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح أنه قال : " { أربع من أمر الجاهلية في أمتي لن يدعوهن الفخر بالأحساب . والطعن في الأنساب والنياحة والاستسقاء بالنجوم } . فجعل الفخر بالأحساب من أمور الجاهلية فإذا كان المسلم لا فخر له على المسلم بكون أجداده لهم حسب شريف فكيف يكون لكافر من أهل الكتاب فخر على كافر من أهل الكتاب بكون أجداده كانوا مؤمنين وإذا لم تكن مع التماثل في الدين فضيلة [ لأحد الفريقين ] على الآخرين في الدين لأجل النسب علم أنه لا فضل لمن كان من اليهود والنصارى آباؤه مؤمنين متمسكين بالكتاب الأول قبل النسخ والتبديل على من كان أبوه داخلا فيه بعد النسخ والتبديل . وإذا تماثل دينهما تماثل حكمهما في الدين . [ ص: 231 ] والشريعة إنما علقت بالنسب أحكاما مثل كون الخلافة من قريش وكون ذوي القربى لهم الخمس وتحريم الصدقة على آل محمد صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك ; لأن النسب الفاضل مظنة أن يكون أهله أفضل من غيرهم ; كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " { الناس معادن كمعادن الذهب والفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا } والمظنة تعلق الحكم بما إذا خفيت الحقيقة أو انتشرت .

فأما إذا ظهر دين الرجل الذي به تتعلق الأحكام وعرف نوع دينه وقدره لم يتعلق بنسبه الأحكام الدينية ولهذا لم يكن لأبي لهب مزية على غيره لما عرف كفره كان أحق بالذم من غيره ; ولهذا جعل لمن يأتي بفاحشة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ضعفان من العذاب كما جعل لمن يقنت منهن لله ورسوله أجرين من الثواب . فذوو الأنساب الفاضلة إذا أساءوا كانت إساءتهم أغلظ من إساءة غيرهم وعقوبتهم أشد عقوبة من غيرهم . فكفر من كفر من بني إسرائيل إن لم يكن أشد من كفر غيرهم وعقوبتهم أشد عقوبة من غيرهم فلا أقل من المساواة بينهم ; ولهذا لم يقل أحد من العلماء إن من كفر وفسق من قريش والعرب تخفف عنه العقوبة في الدنيا أو في الآخرة ; بل إما أن تكون عقوبتهم أشد عقوبة من غيرهم في أشهر القولين ; أو تكون عقوبتهم أغلظ في القول الآخر ; لأن من أكرمه بنعمته ورفع قدره إذا قابل حقوقه بالمعاصي وقابل نعمه بالكفر كان أحق بالعقوبة ممن لم ينعم عليه كما أنعم عليه . [ ص: 232 ]

" الوجه السابع " أن يقال : أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتحوا الشام والعراق ومصر وخراسان وغيرهم كانوا يأكلون ذبائحهم ; لا يميزون بين طائفة وطائفة ; ولم يعرف عن أحد من الصحابة الفرق بينهم بالأنساب ; وإنما تنازعوا في بني تغلب خاصة ; لأمر يختص بهم كما أن عمر ضعف عليهم الزكاة وجعل جزيتهم مخالفة لجزية غيرهم ولم يلحق بهم سائر العرب وإنما ألحق بهم من كان بمنزلتهم .

" الوجه الثامن " أن يقال : هذا القول مستلزم ألا يحل لنا طعام جمهور من أهل الكتاب ; لأنا لا نعرف نسب كثير منهم ولا نعلم قبل أيام الإسلام أن أجداده كانوا يهودا أو نصارى قبل النسخ والتبديل ومن المعلوم أن حل ذبائحهم ونسائهم ثبت بالكتاب والسنة والإجماع فإذا كان هذا القول مستلزما رفع ما ثبت بالكتاب والسنة والإجماع علم أنه باطل .

" الوجه التاسع " أن يقال : ما زال المسلمون في كل عصر ومصر يأكلون ذبائحهم فمن أنكر ذلك فقد خالف إجماع المسلمين .

وهذه الوجوه كلها لبيان رجحان القول بالتحليل وأنه مقتضى الدليل . فأما أن مثل هذه المسألة أو نحوها من مسائل الاجتهاد يجوز لمن تمسك فيها بأحد القولين أن ينكر على الآخر بغير حجة ودليل فهذا خلاف إجماع المسلمين . [ ص: 233 ] فقد تنازع المسلمون في جبن المجوس والمشركين فليس لمن رجح أحد القولين أن ينكر على صاحب القول الآخر إلا بحجة شرعية . وكذلك تنازعوا في متروك التسمية وفي ذبائح أهل الكتاب إذا سموا عليها غير الله وفي شحم الثرب والكليتين وذبحهم لذوات الظفر كالإبل والبط ونحو ذلك مما حرمه الله عليهم وتنازعوا في ذبح الكتابي للضحايا ونحو ذلك من مسائل وقد قال بكل قول طائفة من أهل العلم المشهورين فمن صار إلى قول مقلدا لقائله لم يكن له أن ينكر على من صار إلى القول الآخر مقلدا لقائله ; لكن إن كان مع أحدهما حجة شرعية وجب الانقياد للحجج الشرعية إذا ظهرت . ولا يجوز لأحد أن يرجع قولا على قول بغير دليل ولا يتعصب لقول على قول ولا قائل على قائل بغير حجة ; بل من كان مقلدا لزم حكم التقليد ; فلم يرجح ; ولم يزيف ; ولم يصوب ; ولم يخطئ : ومن كان عنده من العلم والبيان ما يقوله سمع ذلك منه فقبل ما تبين أنه حق ورد ما تبين أنه باطل ووقف ما لم يتبين فيه أحد الأمرين . والله تعالى قد فاوت بين الناس في قوى الأذهان كما فاوت بينهم في قوى الأبدان . وهذه المسألة ونحوها فيها من أغوار الفقه وحقائقه ما لا يعرفه إلا من عرف أقاويل العلماء ومآخذهم فأما من لم يعرف إلا قول عالم واحد وحجته دون قول العالم الآخر وحجته فإنه من العوام المقلدين ; لا من العلماء الذين يرجحون ويزيفون . والله تعالى يهدينا وإخواننا لما يحبه ويرضاه : وبالله التوفيق . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية