صفحة جزء
وقال رحمه الله تعالى فصل قد كتبت في " قاعدة العهود والعقود " القاعدة في العهود الدينية في القواعد المطلقة والقاعدة في العقود الدنيوية في القواعد الفقهية وفي " كتاب النذر " أيضا أن ما وجب بالشرع إذا نذره العبد أو عاهد الله عليه أو بايع عليه الرسول أو الإمام أو تحالف عليه جماعة فإن هذه العهود [ ص: 346 ] والمواثيق تقتضي له وجوبا ثانيا غير الوجوب الثابت بمجرد الأمر الأول فتكون واجبة من وجهين بحيث يستحق تاركها من العقوبة ما يستحقه ناقض العهود والميثاق ; وما يستحقه عاصي الله ورسوله .

هذا هو التحقيق ومن قال من أصحابنا إنه إذا نذر واجبا فهو بعد النذر كما كان قبل النذر ; بخلاف نذر المستحب . فليس كما قال ; بل النذر إذا كان يوجب فعل المستحب فإيجابه لفعل الواجب أولى ; وليس هذا من باب تحصيل الحاصل ; بل هما وجوبان من نوعين لكل نوع حكم غير حكم الآخر ; مثل الجدة إذا كانت أم أم أم وأم أم أب ; فإن فيها سببين كل منهما تستحق به السدس .

وكذلك من قال من أصحابنا : إن الشروط التي هي من مقتضى العقد لا يصح اشتراطها ; أو قال تفسد حتى قال بعض أصحاب الشافعي إذا قال : زوجتك على ما أمر الله به من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان كان النكاح فاسدا لأنه شرط فيه الطلاق : فهذا كلام فاسد جدا ; فإن العقود إنما وجبت موجباتها لإيجاب المتعاقدين لها على أنفسهما ومطلق العقد له معنى مفهوم فإذا أطلق كانا قد أوجبا ما هو المفهوم منه ; فإن موجب العقد هو واجب بالعقد كموجب النذر لم يوجبه الشارع ابتداء وإنما أوجب الوفاء بالعقود كما أوجب الوفاء بالنذر .

فإذا كان له موجب معلوم بلفظ مطلق أو بعرف وصرح المتعاقدان بإيجابه بلفظ خاص كان هذا من باب عطف الخاص على العام فيكون العاقد [ ص: 347 ] قد أوجبه مرتين أو جعل له إيجابا خاصا يستغنى به عن الإيجاب العام .

وفي القرآن من هذا نظائر مثل قوله : { وملائكته ورسله وجبريل وميكال } وقوله : { وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم } وقوله : { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } وقوله : { قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين } وقوله : { يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى } .

التالي السابق


الخدمات العلمية