صفحة جزء
[ ص: 227 ] فصل : وكذلك " السمع " و " البصر " " والنظر " . قال الله تعالى : { وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله } هذا في حق المنافقين وقال في حق التائبين : { وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون } وقوله { فسيرى الله } دليل على أنه يراها بعد نزول هذه الآية الكريمة والمنازع إما أن ينفي الرؤية ; وإما أن يثبت رؤية قديمة أزلية . وكذلك قوله { ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون } ولام كي تقتضي أن ما بعدها متأخر عن المعلول فنظره كيف يعملون هو بعد جعلهم خلائف .

وكذلك { قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما } أخبر أنه يسمع تحاورهما حين كانت تجادل وتشتكي إلى الله وقال النبي صلى الله عليه وسلم " { إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد يسمع الله لكم } " فجعل سمعه لنا جزاء وجوابا للحمد فيكون ذلك بعد الحمد والسمع يتضمن مع سمع القول قبوله وإجابته ومنه قول الخليل { إن ربي لسميع الدعاء } . وكذلك قوله : { لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء } وقوله لموسى : { إنني معكما أسمع وأرى } . [ ص: 228 ] و " المعقول الصريح " يدل على ذلك فإن المعدوم لا يرى ولا يسمع بصريح العقل واتفاق العقلاء ; لكن قال من قال من " السالمية " : إنه يسمع ويرى موجودا في علمه لا موجودا بائنا عنه ولم يقل إنه يسمع ويرى بائنا عن الرب . فإذا خلق العباد وعملوا وقالوا ; فإما أن نقول إنه يسمع أقوالهم ويرى أعمالهم ; وإما لا يرى ولا يسمع . فإن نفى ذلك فهو تعطيل لهاتين الصفتين وتكذيب للقرآن وهما صفتا كمال لا نقص فيه فمن يسمع ويبصر أكمل ممن لا يسمع ولا يبصر . والمخلوق يتصف بأنه يسمع ويبصر فيمتنع اتصاف المخلوق بصفات الكمال دون الخالق سبحانه وتعالى وقد عاب الله تعالى من يعبد من لا يسمع ولا يبصر في غير موضع ; ولأنه حي والحي إذا لم يتصف بالسمع والبصر اتصف بضد ذلك وهو العمى والصمم وذلك ممتنع وبسط هذا له موضع آخر .

وإنما " المقصود هنا " أنه إذا كان يسمع ويبصر الأقوال والأعمال بعد أن وجدت ; فإما أن يقال : إنه تجدد وكان لا يسمعها ولا يبصرها فهو بعد أن خلقها لا يسمعها ولا يبصرها . وإن تجدد شيء : فإما أن يكون وجودا أو عدما ; فإن كان عدما فلم يتجدد شيء وإن كان وجودا : فإما أن يكون قائما بذات الله أو قائما بذات غيره و " الثاني " يستلزم أن يكون ذلك الغير هو الذي يسمع ويرى فيتعين أن ذلك السمع والرؤية الموجودين قائم بذات الله وهذا لا حيلة فيه . [ ص: 229 ] و " الكلابية " يقولون في جميع هذا الباب : المتجدد هو تعلق بين الأمر والمأمور وبين الإرادة والمراد وبين السمع والبصر والمسموع والمرئي فيقال لهم : هذا التعلق إما أن يكون وجودا وإما أن يكون عدما فإن كان عدما فلم يتجدد شيء فإن العدم لا شيء وإن كان وجودا بطل قولهم . وأيضا فحدوث " تعلق " هو نسبة وإضافة من غير حدوث ما يوجب ذلك ممتنع فلا يحدث نسبة وإضافة إلا بحدوث أمر وجودي يقتضي ذلك .

وطائفة منهم ابن عقيل يسمون هذه النسبة " أحوالا " . و " الطوائف " متفقون على حدوث " نسب " و " إضافات " و " تعلقات " لكن حدوث النسب بدون حدوث ما يوجبها ممتنع . فلا يكون نسبة وإضافة إلا تابعة لصفة ثبوتية ; كالأبوة والبنوة والفوقية والتحتية والتيامن والتياسر فإنها لا بد أن تستلزم أمورا ثبوتية . وكذلك كونه " خالقا " و " رازقا " و " محسنا " و " عادلا " فإن هذه أفعال فعلها بمشيئته وقدرته إذ كان يخلق بمشيئته ويرزق بمشيئته . ويعدل بمشيئته ويحسن بمشيئته . والذي عليه " جماهير المسلمين " من السلف . والخلف أن الخلق غير المخلوق ; فالخلق فعل الخالق والمخلوق مفعوله ; ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بأفعال الرب وصفاته كما في قوله صلى الله عليه وسلم " { أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك . } " فاستعاذ بمعافاته كما استعاذ برضاه .

التالي السابق


الخدمات العلمية