صفحة جزء
وبين الخالق تعالى والمخلوق من الفروق ما لا يخفى على من له أدنى بصيرة . ( منها أن الرب تعالى غني بنفسه عما سواه ويمتنع أن يكون مفتقرا إلى غيره بوجه من الوجوه . والملوك وسادة العبيد محتاجون إلى غيرهم حاجة ضرورية . و ( منها أن الرب تعالى وإن كان يحب الأعمال الصالحة ويرضى ويفرح بتوبة التائبين فهو الذي يخلق ذلك وييسره فلم يحصل ما يحبه ويرضاه إلا بقدرته ومشيئته . وهذا ظاهر على مذهب أهل السنة والجماعة الذين يقرون بأن الله هو المنعم على عباده بالإيمان بخلافالقدرية . والمخلوق قد يحصل له ما يحبه بفعل غيره . و ( منها أن الرب تعالى أمر العباد بما يصلحهم ونهاهم عما يفسدهم كما قال قتادة : إن الله لم يأمر العباد بما أمرهم به لحاجته إليهم ولا ينهاهم عما نهاهم عنه بخلا عليهم بل أمرهم بما ينفعهم ونهاهم عما يضرهم . بخلاف المخلوق الذي يأمر غيره بما يحتاج إليه وينهاه عما ينهاه بخلا عليه . وهذا أيضا ظاهر على مذهب السلف وأهل السنة الذين يثبتون حكمته ورحمته ويقولون : إنه لم يأمر العباد إلا بخير ينفعهم ولم ينههم إلا عن شر يضرهم ; بخلاف المجبرة الذين يقولون : إنه قد يأمرهم بما يضرهم وينهاهم عما ينفعهم . و ( منها أنه سبحانه هو المنعم بإرسال الرسل وإنزال الكتب وهو المنعم بالقدرة والحواس وغير ذلك مما به يحصل العلم والعمل الصالح وهو الهادي لعباده فلا حول ولا قوة إلا به . ولهذا قال أهل الجنة : { الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق } وليس يقدر المخلوق على شيء من ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية