صفحة جزء
وهذا التوسل بالأنبياء بمعنى السؤال بهم - وهو الذي قال أبو حنيفة وأصحابه وغيرهم أنه لا يجوز - ليس في المعروف من مذهب مالك ما يناقض ذلك فضلا أن يجعل هذا من مسائل السب ; فمن نقل عن مذهب مالك أنه جوز التوسل به بمعنى الإقسام به أو السؤال به : فليس معه في ذلك نقل عن مالك وأصحابه فضلا عن أن يقول مالك : إن هذا سب للرسول أو تنقص له . بل المعروف عن مالك أنه كره للداعي أن يقول : يا سيدي سيدي وقال : قل كما قالت الأنبياء : يا رب يا رب يا كريم . وكره أيضا أن يقول : يا حنان يا منان فإنه ليس بمأثور عنه . فإذا كان مالك يكره مثل هذا الدعاء إذ لم يكن مشروعا عنده فكيف يجوز عنده أن يسأل الله بمخلوق نبيا كان أو غيره وهو يعلم أن الصحابة لما أجدبوا عام الرمادة لم يسألوا الله بمخلوق لا نبي ولا غيره بل قال عمر : اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا . فيسقون .

وكذلك ثبت في صحيح مسلم عن ابن عمر وأنس وغيرهما أنهم كانوا إذا أجدبوا إنما يتوسلون بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم واستسقائه لم ينقل عن أحد منهم أنه كان في حياته صلى الله عليه وسلم سأل الله تعالى بمخلوق [ ص: 225 ] لا به ولا بغيره لا في الاستسقاء ولا غيره وحديث الأعمى سنتكلم عليه إن شاء الله تعالى ; فلو كان السؤال به معروفا عند الصحابة لقالوا لعمر : إن السؤال والتوسل به أولى من السؤال والتوسل بالعباس فلم نعدل عن الأمر المشروع الذي كنا نفعله في حياته وهو التوسل بأفضل الخلق إلى أن نتوسل ببعض أقاربه وفي ذلك ترك السنة المشروعة وعدول عن الأفضل وسؤال الله تعالى بأضعف السببين مع القدرة على أعلاهما - ونحن مضطرون غاية الاضطرار في عام الرمادة الذي يضرب به المثل في الجدب . والذي فعله عمر فعل مثله معاوية بحضرة من معه من الصحابة والتابعين فتوسلوا بيزيد بن الأسود الجرشي كما توسل عمر بالعباس ; وكذلك ذكر الفقهاء من أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهم أنه يتوسل في الاستسقاء بدعاء أهل الخير والصلاح قالوا : وإن كانوا من أقارب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو أفضل اقتداء بعمر ولم يقل أحد من أهل العلم إنه يسأل الله تعالى في ذلك لا بنبي ولا بغير نبي .

التالي السابق


الخدمات العلمية