صفحة جزء
وأما قول من سوى بين الإسلام والإيمان وقال : إن الله سمى الإيمان بما سمى به الإسلام ; وسمى الإسلام بما سمى به الإيمان فليس كذلك فإن الله [ ص: 410 ] ورسوله قد فسر الإيمان بأنه الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر . وبين أيضا أن العمل بما أمر به يدخل في الإيمان ولم يسم الله الإيمان بملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت إسلاما ; بل إنما سمى الإسلام الاستسلام له بقلبه وقصده وإخلاص الدين والعمل بما أمر به كالصلاة والزكاة خالصا لوجهه فهذا هو الذي سماه الله إسلاما وجعله دينا وقال : { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه } ولم يدخل فيما خص به الإيمان وهو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ; بل ولا أعمال القلوب مثل حب الله ورسوله ونحو ذلك فإن هذه جعلها من الإيمان والمسلم المؤمن يتصف بها وليس إذا اتصف بها المسلم المؤمن يلزم أن تكون من الإسلام بل هي من الإيمان والإسلام فرض والإيمان فرض والإسلام داخل فيه ; فمن أتى بالإيمان الذي أمر به فلا بد أن يكون قد أتى بالإسلام المتناول لجميع الأعمال الواجبة ومن أتى بما يسمى إسلاما لم يلزم أن يكون قد أتى بالإيمان إلا بدليل منفصل كما علم أن من أثنى الله عليه بالإسلام من الأنبياء وأتباعهم إلى الحواريين كلهم كانوا مؤمنين كما كانوا مسلمين كما قال الحواريون : { آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون } وقال : { وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون } ولهذا أمرنا الله بهذا وبهذا في خطاب واحد كما قال : { قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم } وقال في الآية الأخرى : { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين } .

وهذا يقتضي أن كل من دان بغير دين الإسلام فعمله مردود وهو خاسر في الآخرة فيقتضي وجوب دين الإسلام وبطلان ما سواه لا يقتضي أن مسمى الدين هو مسمى الإيمان ; بل أمرنا أن نقول : { آمنا بالله } وأمرنا أن نقول { ونحن له مسلمون } فأمرنا باثنين ; فكيف نجعلهما واحدا ؟ وإذا جعلوا الإسلام والإيمان شيئا واحدا . فإما أن يقولوا : اللفظ مترادف فيكون هذا تكريرا محضا ثم مدلول هذا اللفظ عين مدلول هذا اللفظ وإما أن يقولوا : بل أحد اللفظين يدل على صفة غير الصفة الأخرى كما في أسماء الله وأسماء كتابه ; لكن هذا لا يقتضي الأمر بهما جميعا ولكن يقتضي أن يذكر تارة بهذا الوصف وتارة بهذا الوصف ; فلا يقول قائل قد فرض الله عليك الصلوات الخمس والصلاة المكتوبة وهذا هو هذا . والعطف بالصفات يكون إذا قصد بيان الصفات لما فيها من المدح أو الذم ; كقوله : { سبح اسم ربك الأعلى } { الذي خلق فسوى } { والذي قدر فهدى } لا يقال : صل لربك الأعلى ولربك الذي خلق فسوى . وقال محمد بن نصر المروزي - رحمه الله - فقد بين الله في كتابه وسنة رسوله أن الإسلام والإيمان لا يفترقان فمن صدق بالله فقد آمن به ومن آمن بالله فقد خضع له وقد أسلم له ; ومن صام وصلى وقام بفرائض الله وانتهى عما [ ص: 412 ] نهى الله عنه فقد استكمل الإيمان والإسلام المفترض عليه ومن ترك من ذلك شيئا فلن يزول عنه اسم الإيمان ولا الإسلام إلا أنه أنقص من غيره في الإسلام والإيمان من غير نقصان من الإقرار بأن الله حق وما قال حق لا باطل وصدق لا كذب ولكن ينقص من الإيمان الذي هو تعظيم لله وخضوع للهيبة والجلال والطاعة للمصدق به وهو الله فمن ذلك يكون النقصان لا من إقرارهم بأن الله حق وما قال صدق . فيقال : ما ذكره يدل على أن من أتى بالإيمان الواجب فقد أتى بالإسلام ; وهذا حق ولكن ليس فيه ما يدل عن أن من أتى بالإسلام الواجب فقد أتى بالإيمان فقوله : من آمن بالله فقد خضع له وقد استسلم له حق ; لكن أي شيء في هذا يدل على أن من أسلم لله وخضع له فقد آمن به وبملائكته وبكتبه ورسله والبعث بعد الموت ؟ وقوله : إن الله ورسوله قد بين أن الإسلام والإيمان لا يفترقان إن أراد أن الله أوجبهما جميعا ونهى عن التفريق بينهما فهذا حق ; وإن أراد أن الله جعل مسمى هذا مسمى هذا فنصوص الكتاب والسنة تخالف ذلك وما ذكر قط نصا واحدا يدل على اتفاق المسلمين .

وكذلك قوله : من فعل ما أمر به وانتهى عما نهي عنه فقد استكمل الإيمان والإسلام فهذا صحيح إذا فعل ما أمر به باطنا وظاهرا ويكون قد استكمل الإيمان والإسلام الواجب عليه ولا يلزم أن يكون إيمانه وإسلامه مساويا للإيمان والإسلام الذي فعله أولوا العزم من الرسل كالخليل إبراهيم ومحمد [ ص: 413 ] خاتم النبيين عليهما الصلاة والسلام بل كان معه من الإيمان والإسلام ما لا يقدر عليه غيره ممن ليس كذلك ولم يؤمر به . وقوله : من ترك من ذلك شيئا فلن يزول عنه اسم الإسلام والإيمان إلا أنه أنقص من غيره في ذلك . فيقال : إن أريد بذلك أنه بقي معه شيء من الإسلام والإيمان فهذا حق كما دلت عليه النصوص خلافا للخوارج والمعتزلة وإن أراد أنه يطلق عليه بلا تقييد مؤمن ومسلم في سياق الثناء والوعد بالجنة ; فهذا خلاف الكتاب والسنة ولو كان كذلك لدخلوا في قوله : { وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار } وأمثال ذلك مما وعدوا فيه بالجنة بلا عذاب . وأيضا : فصاحب الشرع قد نفى عنهم الاسم في غير موضع بل قال : { قتال المؤمن كفر } وقال : { لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض } وإذا احتج بقوله : { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا } ونحو ذلك قيل : كل هؤلاء إنما سموا به مع التقييد بأنهم فعلوا هذه الأمور ليذكر ما يؤمرون به هم وما يؤمر به غيرهم . وكذلك قوله : لا يكون النقصان من إقرارهم بأن الله حق وما قاله صدق فيقال : بل النقصان يكون في الإيمان الذي في القلوب من معرفتهم ومن علمهم فلا تكون معرفتهم وتصديقهم بالله وأسمائه وصفاته وما قاله من أمر ونهي ووعد ووعيد كمعرفة غيرهم وتصديقه ; لا من جهة الإجمال والتفصيل ولا من [ ص: 414 ] جهة القوة والضعف ولا من جهة الذكر والغفلة وهذه الأمور كلها داخلة في الإيمان بالله وبما أرسل به رسوله وكيف يكون الإيمان بالله وأسمائه وصفاته متماثلا في القلوب أم كيف يكون الإيمان بأنه بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير وأنه غفور رحيم عزيز حكيم شديد العقاب ; ليس هو من الإيمان به فلا يمكن مسلما أن يقول : إن الإيمان بذلك ليس من الإيمان به ولا يدعي تماثل الناس فيه

التالي السابق


الخدمات العلمية