صفحة جزء
[ ص: 242 ] سئل أبو العباس ابن تيمية عن الخير والشر ; والقدر الكوني ; والأمر والنهي الشرعي .


فأجاب : الحمد لله . اعلم أن الله خالق كل شيء وربه ومليكه لا رب غيره ولا خالق سواه ; ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ; وهو على كل شيء قدير ; وبكل شيء عليم ; والعبد مأمور بطاعة الله ; وطاعة رسوله ; منهي عن معصية الله ; ومعصية رسوله ; فإن أطاع كان ذلك نعمة من الله أنعم بها عليه ; وكان له الأجر والثواب بفضل الله ورحمته ، وإن عصى كان مستحقا للذم والعقاب ; وكان لله عليه الحجة البالغة ; ولا حجة لأحد على الله ; وكل ذلك كائن بقضاء الله وقدره ومشيئته وقدرته ; لكنه يحب الطاعة ويأمر بها ; ويثيب أهلها عليها ويكرمهم ; ويبغض المعصية وينهى عنها ; ويعاقب أهلها عليها ويهينهم .

وما يصيب العبد من النعم فإن الله أنعم بها عليه ; وما يصيبه من الشر فبذنوبه ومعاصيه . كما قال تعالى : { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم } وقال تعالى : { ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك } أي ما أصابك من خصب ونصر وهدى فالله أنعم بها عليك ; وما أصابك من جدب وذل وشر فبذنوبك وخطاياك ; وكل الأشياء كائنة بمشيئته وقدرته وخلقه [ ص: 243 ] فلا بد أن يؤمن العبد بقضاء الله وقدره ; وأن يؤمن بشرع الله وأمره .

فمن نظر إلى الحقيقة القدرية وأعرض عن الأمر والنهي والوعد والوعيد كان مشابها للمشركين ; ومن نظر إلى الأمر والنهي وكذب بالقضاء والقدر كان مشابها للمجوسيين ، ومن آمن بهذا وهذا ، وإذا أحسن حمد الله ; وإذا أساء استغفر الله ; وعلم أن ذلك كله بقضاء الله وقدره فهو من المؤمنين . فإن آدم - عليه السلام - لما أذنب تاب فاجتباه ربه وهداه ، وإبليس أصر واستكبر واحتج بالقدر ; فلعنه وأقصاه ، فمن تاب كان آدميا ، ومن أصر واحتج بالقدر كان إبليسيا ، فالسعداء يتبعون أباهم آدم ، والأشقياء يتبعون عدوهم إبليس .

فنسأل الله العظيم أن يهدينا الصراط المستقيم . صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين . والشهداء والصالحين . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية