1. الرئيسية
  2. تفسير ابن رجب
  3. تفسير سورة التوبة
  4. تفسير قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام
صفحة جزء
قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم

[قال البخاري ] : "باب: دخول المشرك المسجد": حدثنا قتيبة : ثنا الليث ، عن سعيد بن أبي سعيد ، أنه سمع أبا هريرة يقول: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخيل قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة، يقال له; ثمامة بن أثال، فربطوه بسارية من سواري المسجد .

قد سبق هذا الحديث بأتم من هذا السياق في "باب: الأسير يربط في المسجد"، وفيه: أن ثمامة حين ربط كان مشركا، وأنه إنما أسلم بعد إطلاقه . وفي هذا دليل على جواز إدخال المشرك إلى المسجد، لكن بإذن المسلمين . وقد أنزل النبي - صلى الله عليه وسلم - وفد ثقيف في المسجد، ليكون أرق لقلوبهم .

خرجه أبو داود من رواية الحسن، عن عثمان بن أبي العاص . [ ص: 509 ] وروى وكيع ، عن سفيان ، عن يونس، عن الحسن، قال: إن وفدا قدموا على النبي - صلى الله عليه وسلم - من ثقيف، فدخلوا عليه المسجد، فقيل له: إنهم مشركون؟ قال: "الأرض لا ينجسها شيء" .

وخرجه أبو داود في "المراسيل " من رواية أشعث، عن الحسن، أن وفد ثقيف قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضرب لهم قبة في مؤخر المسجد، لينظروا إلى صلاة المسلمين، إلى ركوعهم، وسجودهم، فقيل: يا رسول الله، أتنزلهم المسجد وهم مشركون؟ قال: "إن الأرض لا تنجس، إنما ينجس ابن آدم " .

وكذلك سائر وفود العرب ونصارى نجران، كلهم كانوا يدخلون المسجد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ويجلسون فيه عنده .

ولما قدم مشركو قريش في فداء أسارى بدر كانوا يبيتون في المسجد وقد روى ذلك الشافعي بإسناد له .

وقد خرج البخاري حديث جبير بن مطعم - وكان ممن قدم في فداء الأسارى - أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في المغرب بـ: "الطور"; قال: وكان ذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي .

وخرج البخاري فيما سبق في "كتاب: العلم " حديث دخول ضمام بن ثعلبة المسجد، وعقله بعيره فيه، وسؤاله النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإسلام، ثم أسلم عقب ذلك . [ ص: 510 ] وروى أبو داود في "المراسيل " بإسناده عن الزهري ، قال: أخبرني سعيد ابن المسيب ، أن أبا سفيان كان يدخل المسجد بالمدينة وهو كافر، غير أن ذلك لا يصلح في المسجد الحرام، لما قال الله عز وجل: إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا

وقد اختلف أهل العلم في ذلك: فرخص طائفة منهم في دخول الكافر المسجد، وهو قول أبي حنيفة والشافعي ، وحكي رواية عن أحمد ، رجحها طائفة من أصحابنا . قال أصحاب الشافعي : وليس له أن يدخل المسجد إلا بإذن المسلم ووافقهم طائفة من أصحابنا على ذلك .

وقال بعضهم: لا يجوز للمسلم أن يأذن فيه إلا لمصلحة من سماع قرآن . أو رجاء إسلام، أو إصلاح شيء ونحو ذلك، فأما لمجرد الأكل واللبث والاستراحة فلا .

ومن أصحابنا: من أطلق الجواز، ولم يقيده بإذن المسلم .

وهذا كله في مساجد الحل، فأما المسجد الحرام فلا يجوز للمسلمين الإذن في دخوله للكافر، بل لا يمكن الكافر من دخول الحرم بالكلية عند الشافعي وأحمد وأصحابهما .

واستدلوا بقول الله تعالى: إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر مناديا ينادي: "لا يحج بعد العام مشرك" . [ ص: 511 ] وأجازه أبو حنيفة وأصحابه .

فأما مسجد المدينة، فالمشهور عندنا وعند الشافعية أن حكمه حكم مساجد الحل .

ولأصحابنا وجه: أنه ملحق بالمسجد الحرام; لأن المدينة حرم، وحكي عن ابن حامد، وقاله القاضي أبو يعلى في بعض كتبه . وهذا بعيد، فإن الأحاديث الدالة على الجواز إنما وردت في مسجد المدينة بخصوصه، فكيف يمنع منه ويخص الجواز بغيره؟

وقالت طائفة: لا يجوز تمكين الكافر من دخول المساجد بحال، وهذا هو المروي عن الصحابة، منهم: عمر ، وعلي، وأبو موسى الأشعري ، وعن عمر بن عبد العزيز، وهو قول مالك ، والمنصوص عن أحمد ، قال: لا يدخلون المسجد ولا ينبغي لهم أن يدخلوهم . واستدلوا بقول الله تعالى: ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين وظاهره: يدل على أن الكفار لا يمكنون من دخول المساجد، فإن دخلوا أخيفوا وعوقبوا، فيكونون في حال دخولهم خائفين من عقوبة المسلمين لهم . وقد روي عن علي، أنه كان على المنبر فبصر بمجوسي، فنزل وضربه وأخرجه .

خرجه الأثرم .

وعلى هذا القول، فأحاديث الرخصة قد تحمل على أن ذلك قبل النهي عنه، أو أن ذلك كان جائزا حيث كان يحتاج إلى تألف قلوبهم، [ ص: 512 ] وقد زال ذلك .

وفرقت طائفة بين أهل الذمة وأهل الحرب، فقالوا: يجوز إدخال أهل الذمة دون أهل الحرب، وروي عن جابر بن عبد الله وقتادة . وروى عبد الرزاق ، عن ابن جريج : أخبرني أبو الزبير ، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول في قوله تعالى: إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا قال: إلا أن يكون عبدا أو أحدا من أهل الذمة .

وقد روي مرفوعا من رواية شريك: ثنا أشعث بن سوار، عن الحسن، عن جابر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يدخل مسجدنا هذا مشرك بعد عامنا هذا، غير أهل الكتاب وخدمهم " .

خرجه الإمام أحمد .

وفي رواية له: "غير أهل العهد وخدمهم " .

وأشعث بن سوار، ضعيف الحديث .

وقد خص بعض أصحابنا حكاية الخلاف المحكي عن أحمد فى المسألة بأهل الذمة .

التالي السابق


الخدمات العلمية