صفحة جزء
قوله تعالى: فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق

قال الله تعالى: لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون وقال تعالى: فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق

قال الربيع بن أنس : الزفير في الحلق، والشهيق في الصدر، وقال معمر عن قتادة : صوت الكافر في النار مثل صوت الحمار، أوله زفير وآخره شهيق، وقال تعالى: وهم يصطرخون فيها [ ص: 555 ] وفي حديث حارثة: "وكأني أنظر إلى أهل النار، يتعاوون فيها" .

وروى معاوية بن صالح عن سليم بن عامر عن أبي أمامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "رأيت رؤيا" فذكر حديثا طويلا وفيه قال: "ثم انطلقنا فإذا نحن نرى دخانا ونسمع عواء، قلت: ما هذا؟ قال: هذه جهنم " خرجه الطبراني وغيره .

وروى الأعمش عن يزيد الرقاشي ، عن أنس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "يلقى البكاء على أهل النار فيبكون حتى تنقطع الدموع، ثم يبكون الدم حتى يصير في وجوههم كهيئة الأخدود، ولو أرسلت فيه السفن لجرت " خرجه ابن ماجه . وروي عن الأعمش عن عمرو بن مرة ويزيد الرقاشي ، عن أنس موقوفا من قوله . ورواه سعيد بن سلمة عن يزيد الرقاشي ، قال: بلغنا هذا الكلام ولم يسنده ولم يرفعه .

وروى سلام بن مسكين عن قتادة عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه . قال: إن أهل النار ليبكون الدموع في النار حتى لو أجريت السفن في دموعهم لجرت، ثم إنهم ليبكون بالدم بعد الدموع ولمثل ما هم فيه فليبك .

وقال صالح المري : بلغني أنهم يصرخون في النار حتى تنقطع أصواتهم فلا يبقى منهم إلا كهيئة الأنين من المدنف .

وقال ابن أبي إسحاق عن محمد بن كعب : زفروا في جهنم فزفرت النار . وشهقوا فشهقت النار بما استحلوا من محارم الله . قال: والزفير من النفس والشهيق من البكاء .

وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: لهم فيها زفير وشهيق قال: صوت شديد وصوت ضعيف .

وروى مالك عن زيد بن أسلم في قوله عز وجل: سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص قال زيد: صبروا مائة عام ثم بكوا مائة عام ثم قالوا: سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص

وروى الوليد بن مسلم عن أبي سلمة الدوسي - واسمه ثابت بن شريح - عن سالم بن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يدعو: "اللهم ارزقني عينين هطالتين يشفيان القلب بذروف الدموع من خشيتك قبل أن يكون الدمع دما والأضراس جمرا" . سالم بن عبد الله هو المحاربي وحديثه مرسل، وظن بعضهم أنه سالم بن عبد الله بن عمر ، وزاد بعضهم في الإسناد: عن أبيه، ولا يصح ذلك كله .

وروى الوليد بن مسلم أيضا عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، عن إسماعيل بن عبيد الله ، قال: إن داود - عليه السلام -، قال: رب ارزقني عينين هطالتين يبكيان بذروف الدموع ويشفياني من خشيتك قبل أن يعود الدمع دما والأضراس جمرا، قال: وكان داود - عليه السلام - يعاتب في كثرة البكاء، فيقول: دعوني أبكي قبل يوم البكاء، قبل تحريق العظام واشتعال اللحى، وقبل أن يأمر بي ملائكة غلاظا شدادا لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون .

وروى يونس بن ميسرة عن أبي إدريس الخولاني ، قال: إن داود - عليه [ ص: 557 ] السلام -، قال: أبكي نفسي قبل يوم البكاء، أبكي نفسي قبل أن لا ينفع البكاء، ثم دعا بجمر فوضع عليه حتى إذا حره رفعها، وقال: أوه لعذاب الله، أوه أوه قبل أن لا ينفع أوه .

وروى ثابت البناني عن صفوان بن محرز قال: كان لداود - عليه السلام - يوم يتأؤه فيه يقول: أوه أوه من عذاب الله - عز وجل - قبل أن لا ينفع أوه، قال: فذكرها صفوان ذات يوم في مجلس فبكى حتى غلبه البكاء، فقام . وقال عبد الله بن رياح الأنصاري، سمعت كعبا ، يقول: إن إبراهيم لحليم أواه منيب قال: كان إذا ذكر النار قال: أواه من النار أواه من النار . وعن أبي الجوزاء وعبيد بن عمير نحو ذلك .

وروى ابن أبي الدنيا بإسناد له عن رياح القيسي: أنه مر بصبي يبكي فوقف عليه يسأله: ما يبكيك يا بني، وجعل الصبي لا يحسن يجيبه ولا يرد عليه شيئا، فبكى رياح ثم قال ليس لأهل النار راحة ولا معول إلا البكاء . وجعل يبكي .

وبإسناد له آخر: أن رياحا القيسي زار قوما، فبكى صبي لهم من الليل . فبكى رياح لبكائه حتى أصبح، فسئل بعد ذلك عن بكائه، فقال: ذكر ببكاء الصبي بكاء أهل النار في النار ليس لهم نصير، ثم بكى .

التالي السابق


الخدمات العلمية