صفحة جزء
قوله تعالى: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا

ومن اشتغل بتربية منزلته عند الله تعالى بما ذكرنا من العلم الباطن وصل إلى الله فاشتغل به عما سواه، وكان له في ذلك شغل عن طلب المنزلة عند الخلق، ومع هذا فإن الله يعطيه المنزلة في قلوب الخلق والشرف عندهم، وإن كان لا يريد ذلك ولا يقف معه; بل يهرب منه أشد الهرب ويفر أشد الفرار خشية أن يقطع الخلق عن الحق - جل جلاله . قال الله تعالى: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا [ ص: 677 ] أي: في قلوب عباده .

وفي حديث: "إن الله إذا أحب عبدا نادى: يا جبريل: إني أحب فلانا فيحبه جبريل، ثم يحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض " . والحديث معروف، وهو مخرج في "الصحيح " . وبكل حال، فطلب شرف الآخرة يحصل معه شرف الدنيا وإن لم يرده صاحبه ولم يطلبه، وطلب شرف الدنيا لا يجامع شرف الآخرة ولا يجتمع معه، والسعيد من آثر الباقي على الفاني، كما في حديث أبي موسى - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من أحب دنياه أضر بآخرته، ومن أحب آخرته أضر بدنياه . فآثروا ما يبقى على ما يفنى" . خرجه الإمام أحمد وغيره . وما أحسن ما قال الشيخ أبو الفتح البستي:


أمران مفترقان لست تراهما . يتشوقان لخلطة وتلاقي     طلب المعاد مع الرياسة والعلى .
فدع الذي يفنى لما هو باقي



التالي السابق


الخدمات العلمية