صفحة جزء
[ ص: 678 ] سورة طه

قوله تعالى: وأقم الصلاة لذكري

[قال البخاري - رحمه الله -] : ثنا أبو نعيم وموسى بن إسماعيل، قالا: ثنا همام، عن قتادة ، عن أنس ابن مالك ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من نسي صلاة فليصل إذا ذكر، لا كفارة لها إلا ذلك، وأقم الصلاة لذكري " . قال موسى: قال همام: سمعته يقول بعد: " وأقم الصلاة لذكري " .

وقال حبان: ثنا همام: ثنا قتادة : ثنا أنس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه . هذا الحديث قد رواه جماعة عن همام، وجماعة عن قتادة . وقد خرجه مسلم من طريق همام وأبي عوانة وسعيد والمثنى، كلهم عن قتادة ، عن أنس ، وليس في رواية أحد منهم: التصريح بقول قتادة : "ثنا أنس "، كما ذكر البخاري أن حبانا رواه عن همام .

وإنما احتاج إلى ذلك، لما عرف من تدليس قتادة . ولفظ رواية سعيد ، عن قتادة التي خرجها مسلم : "من نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها" . [ ص: 679 ] ولفظ حديث المثنى، عن قتادة ، عنده: "إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو نام عنها، فكفارتها: أن يصليها إذا ذكرها" .

وقد دل الحديث على وجوب القضاء على النائم إذا استيقظ، والناسي إذا ذكر، وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد .

وذكر ابن عبد البر : أن محمد بن رستم روى عن محمد بن الحسن : أن النائم إذا فاته في نومه أكثر من خمس صلوات لا قضاء عليه، إلحاقا للنوم الطويل إذا زاد على يوم وليلة بالإغماء، والمغمى عليه لا قضاء عليه عنده . ويكون الأمر عنده بالقضاء في النوم المعتاد، وهو ما تفوت فيه صلاة أو صلاتان أو دون خمس أو أكثر . وأخذ الجمهور بعموم الحديث .

وقوله: "فليصل إذا ذكر": استدل به من يقول بوجوب قضاء الصلوات على الفور، وهو قول أبي حنيفة ومالك . وأحمد يوجبه بكل حال، قلت الصلوات أو كثرت . واستدلوا - أيضا - بقوله: " لا كفارة لها إلا ذلك " .

وذهب الشافعي إلى أن القضاء على التراخي، كقضاء صيام رمضان . وليس الصوم كالصلاة عندهم، فإن الصيام لا يجوز تأخيره حتى يدخل نظيره من العام القابل والصلاة عندهم بخلاف ذلك . واستدلوا - أيضا -: بتأخير النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاة حتى خرج من الوادي . وفيه نظر; فإن ذاك تأخير يسير لمصلحة تتعلق بالصلاة، وهو التباعد عن موضع يكره الصلاة فيه . [ ص: 680 ] وقد روي عن سمرة بن جندب ، فيمن عليه صلوات فائتة: أنه يصلي مع كل صلاة صلاة . وقد روي عنه - مرفوعا . خرجه البزار بإسناد ضعيف . ولأصحاب الشافعي فيما إذا كان الفوات بغير عذر في وجوب القضاء على الفور وجهان . وحمل الخطابي قوله: "لا كفارة لها إلا ذلك " على وجهين: أحدهما: أن المعنى أنه لا يجوز له تركها إلى بدل، ولا يكفرها غير قضائها .

والثاني: أن المعنى أنه لا يلزمه في نسيانها كفارة ولا غرامة . قال إنما عليه أن يصلي ما فاته . وقد روي عن أبي هريرة - مرفوعا: "من نسي صلاة فوقتها إذا ذكرها" .

خرجه الطبراني والدارقطني والبيهقي من رواية حفص بن أبي العطاف . واختلف عليه في إسناده إلى أبي هريرة .

وحفص هذا، قال البخاري وأبو حاتم : منكر الحديث . وقال يحيى بن يحيى: كذاب .

فلا يلتفت إلى ما تفرد به .

وأما تلاوته قوله تعالى: وأقم الصلاة لذكري [ ص: 681 ] وقد رواه قتادة - مرة -، فقال: "للذكرى"، ومرة، قال: "لذكري" ، كما هو القراءة المتواترة . وكان الزهري - أيضا - يقرؤها: "للذكرى" .

وهذه القراءة أظهر في الدلالة على الفور; لأن المعنى: أد الصلاة حين الذكرى، والمعنى: أنه يصلي الصلاة إذا ذكرها . وبذلك فسرها أبو العالية والشعبي والنخعي .

وقال مجاهد : (وأقم الصلاة لذكري): أي تذكرني . قال: فإذا صلى عبد ذكر ربه .

ومعنى قوله: أن قوله: وأقم الصلاة لذكري أي: لأجل ذكري بها .

والصلاة إنما فرضت ليذكر الله بها، كما في حديث عائشة المرفوع: "إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله" . خرجه الترمذي وأبو داود .

فأوجب الله على خلقه كل يوم وليلة أن يذكروه خمس مرار بالصلاة المكتوبة، فمن ترك شيئا من ذكر الله الواجب عليه سهوا فليعد إليه إذا ذكره، كما قال تعالى: واذكر ربك إذا نسيت فقد أمره إذا نسي ربه أن يذكره بعد ذلك، فمن نسي الصلاة فقد نسي ذكر ربه، فإذا ذكر أنه نسي فليعد إلى ذكر ربه بعد نسيانه .

التالي السابق


الخدمات العلمية