صفحة جزء
قوله تعالى: قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم

قال الله تعالى: قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم

[قال البخاري ] : ومعنى الدعاء في اللغة: الإيمان .

اعلم; أن أصل الدعاء في اللغة: الطلب، فهو استدعاء لما يطلبه الداعي، ويؤثر حصوله .

فتارة يكون الدعاء بالسؤال من الله عز وجل والابتهال إليه، كقول الداعي: اللهم اغفر لي، اللهم ارحمني .

وتارة يكون بالإتيان بالأسباب التي تقتضي حصول المطالب، وهو الاشتغال بطاعة الله وذكره، وما يجب من عبده أن يفعله، وهذا هو حقيقة الإيمان .

وفي "السنن الأربعة"، عن النعمان بن بشير ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "إن الدعاء هو العبادة، ثم قرأ: وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون [ ص: 50 ] عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين (60) " .

فما استجلب العبد من الله ما يحب، واستدفع منه ما يكره، بأعظم من اشتغاله بطاعة الله وعبادته وذكره، وهو حقيقة الإيمان، فإن الله يدفع عن الذين آمنوا .

وفي " الترمذي "، عن أبي سعيد ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "يقول الرب عز وجل: من شغله القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين " .

وقال بعض التابعين: لو أطعتم الله ما عصاكم .

يعني: ما منعكم شيئا تطلبونه منه .

وكان سفيان يقول: الدعاء ترك الذنوب .

يعني: الاشتغال بالطاعة عن المعصية .

وأما قوله تعالى: ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم فيه للمفسرين قولان:

أحدهما: أن المراد: لولا دعاؤكم إياه، فيكون الدعاء بمعنى الطاعة، كما ذكرنا .

والثاني: لولا دعاؤه إياكم إلى طاعته، كما في قوله تعالى: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون أي: لأدعوهم إلى عبادتي .

وإنما اختلف المفسرون في ذلك لأن المصدر يضاف إلى الفاعل تارة، وإلى المفعول أخرى .

التالي السابق


الخدمات العلمية