صفحة جزء
الفصل الثالث من الدرجات: لين الكلام وفي رواية: "إفشاء السلام " وهو [ ص: 178 ] داخل في لين الكلام، وقد قال الله عز وجل: وقولوا للناس حسنا وقال تعالى: وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن وقال تعالى: ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم وقال تعالى: وجادلهم بالتي هي أحسن وقال تعالى: ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم ولما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة، قالوا له: وما الحج المبرور يا رسول الله؟ قال: إطعام الطعام ولين الكلام " خرجه الإمام أحمد ، وقد تقدم في ذكر إطعام الطعام أحاديث أخر في طيب الكلام .

وفي الحديث الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "والكلمة الطيبة صدقة " وفيه أيضا اتقوا النار ولو بشق تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة، .

وأما كون إفشاء السلام من موجبات الجنة ففي "صحيح مسلم" عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام فيما بينكم " وخرج أبو داود من حديث أبي أمامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن أولى الناس بالله تعالى من بدأهم بالسلام . ويروى من حديث ابن مسعود مرفوعا وموقوفا "إذا مر الرجل بالقوم فسلم عليهم فردوا عليه كان له عليهم فضل درجة، لأنه ذكرهم بالسلام، وإن لم يردوا عليه رد عليه ملأ خير منهم وأطيب، . [ ص: 179 ] وقد روي من حديث عمران بن حصين وغيره "أن رجلا دخل على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: السلام عليكم ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "عشر"، ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "عشرون " . ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "ثلاثون " خرجه الترمذي وغيره، وخرجه أبو داود وزاد "ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "أربعون "، ثم قال: "هكذا تكون الفضائل " .

وقد سبق حديث "أن تقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف " وفي حديث ابن مسعود مرفوعا "من أشراط الساعة السلام بالمعرفة " خرجه الإمام أحمد .

وإنما جمع بين إطعام الطعام ولين الكلام ليكمل بذلك الإحسان إلى الخلق بالقول والفعل فلا يتم الإحسان بإطعام الطعام إلا بلين الكلام وإفشاء السلام، فإن أساء بالقول بطل الإحسان بالفعل من الإطعام وغيره كما قال الله تعالي: يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى

وربما كان معاملة الناس بالقول الحسن أحب إليهم من إطعام الطعام والإحسان بإعطاء المال، كما قال لقمان لابنه: يا بني لئن تكن كلمتك طيبة ووجهك منبسطا تكن أحب إلى الناس ممن يعطيهم الذهب والفضة، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يلين القول حتى لمن يشهد له بالشر فينتفي بذلك شره، وكان - صلى الله عليه وسلم – لا يواجه أحدا بما يكره في وجهه ولم يكن - صلى الله عليه وسلم - فحاشا ولا متفحشا . وروي عن ابن عمر أنه كان ينشد: [ ص: 180 ]

بني إن البر شيء هين وجه طليق وكلام لين



ولبعضهم:

خذ العفو وأمر بعرف كما     أمرت وأعرض عن الجاهلين
ولن في الكلام لكل الأنام     فمستحسن من ذوي الجاه لين



وقد وصف الله عز وجل في كتابه أهل الجنة بمعاملة الخلق بالإحسان بالمال واحتمال الأذى فقال تعالى: وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين فالإنفاق في السراء والضراء يقتضي غاية الإحسان بالمال من الكثرة والقلة، وكظم الغيظ والعفو عن الناس يقتضي عدم المقابلة على السيئة من قول وفعل وذلك يتضمن إلانة القول واجتناب الفحش والإغلاظ في المقال، ولو كان مباحا، وهذا نهاية الإحسان فلهذا قال تعالى: والله يحب المحسنين

ومن هذا قول بعضهم وقد سئل عن حسن الخلق فقال: بذل الندى وكف الأذى .

وهذا الوصف المذكور في القرآن أكمل من هذا، لأنه وصفهم ببذل الندى واحتمال الأذى، وحسن الخلق يبلغ به العبد درجات المجتهدين في العبادة . كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم النهار القائم الليل " . ورئي بعض السلف في المنام فسئل عن بعض إخوانه الصالحين فقال: وأين ذلك رفع في الجنة بحسن خلقه . [ ص: 181 ] ومما يندب إلى إلانة القول فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن يكون برفق، كما قال تعالى: وجادلهم بالتي هي أحسن

قال بعض السلف: ما أغضبت أحدا فقبل منك، وكان أصحاب ابن مسعود إذا رأوا قوما على ما يكره يقولون لهم: مهلا مهلا بارك الله فيكم . ورأى بعض التابعين رجلا واقفا مع امرأة فقال لهما: إن الله يراكما سترنا الله وإياكما، ودعي الحسن إلى دعوة فجيء بآنية فضة فيها حلواء، فأخذ الحسن الحلواء فقلبها على رغيف وأكل منها، فقال بعض من حضر: هذا نهي في سكون . ورأى الفضيل رجلا يعبث في صلاته فزبره، فقال له الرجل: يا هذا ينبغي لمن يقوم لله أن يكون ذليلا، فبكى الفضيل وقال له: صدقت .

قال شعيب بن حرب: ربما مر سفيان الثوري بقوم يلعبون بالشطرنج فيقول: ما يصنع هؤلاء؟ فيقال له: يا عبد الله ينظرون في كتاب، فيطأطئ رأسه ويمضي، وإنما يريد بذلك ليعلم أنه قد أنكر .

وقال سفيان: لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر إلا من كان فيه خصال ثلاث: رفيق بما يأمر، رفيق بما ينهى، عدل بما يأمر، عدل بما ينهى، عالم بما يأمر، عالم بما ينهى . وقال الإمام أحمد: الناس يحتاجون إلى مداراة ورفق في الأمر بالمعروف بلا غلظة إلا رجلا معلنا بالفسق، فإنه لا صبر عليه .

وكان كثير من السلف لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر إلا سرا فيما بينه وبين من يأمره وينهاه . وقال أبو الدرداء: من وعظ أخاه سرا فقد زانه ومن وعظه علانية فقد شانه .

وكذلك مقابلة الأذى بإلانة القول كما قال تعالى: ادفع بالتي هي أحسن السيئة وقال تعالى: ويدرءون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار قال بعض السلف: هو الرجل يسبه الرجل، فيقول له: إن كنت صادقا فغفر الله لي، وإن كنت كاذبا فغفر الله لك .

قال رجل لسالم بن عبد الله وقد زحمت راحلته في سفر: ما أراك إلا رجل سوء، فقال له سالم: ما أراك أبعدت .

وقالت امرأة لمالك بن دينار: يا مرائي، قال: متى عرفت اسمي؟ ما عرفه أحد من أهل البصرة غيرك . ومر بعضهم على صبيان يلعبون بجوز فوطئ على بعض الجوز بغير اختياره فكسره، فقال له الصبي: يا شيخ، النار، فجلس الشيخ يبكي ويقول: ما عرفني غيره . ومر بعضهم مع أصحابه في طريق فرموا عليهم رمادا، فقال الشيخ لأصحابه: من يستحق النار فصالحوه على الرماد، يعني فهو رابح .

ورأى جندي إبراهيم بن أدهم خارج البلد فسأله عن العمران فأشار له إلى القبور فضرب رأسه ومضى فقيل له: إنه إبراهيم بن أدهم فرجع يعتذر إليه . فقال له إبراهيم: الرأس الذي يحتاج إلى اعتذارك تركته ببلخ، ومر به جندي آخر وهو ينظر بستانا لقوم بأجرة فسأله أن يناوله شيئا فلم يفعل وقال: إن أصحابه لم يأذنوا في ذلك، فضرب رأسه فجعل إبراهيم يطأطئ رأسه وهو يقول: اضرب رأسا طالما عصى الله .

من أجلك قد جعلت خدي أرضا     للشامت والحسود حتى ترضى



الثالث من الدرجات:

الصلاة بالليل والناس نيام: فالصلاة بالليل من موجبات الجنة كما سبق ذكره [ ص: 183 ] في غير حديث، وقد دل عليه قوله عز وجل: إن المتقين في جنات وعيون آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون وفي أموالهم حق للسائل والمحروم فوصفهم بالتيقظ بالليل والاستغفار بالأسحار وبالإنفاق من أموالهم .

كان بعض السلف نائما فأتاه آت في منامه فقال له: قم فصل أما علمت أن مفاتيح الجنة مع أصحاب الليل هم خزانها؟!

وقيام الليل يوجب علو الدرجات في الجنة قال الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم - . ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا فجعل جزاءه على التهجد بالقرآن بالليل أن يبعثه المقام المحمود وهو أعلى درجاته - صلى الله عليه وسلم - .

قال عون بن عبد الله: " إن الله يدخل الجنة أقواما فيعطيهم حتى يملوا وفوقهم ناس في الدرجات العلى، فلما نظروا إليهم عرفوهم فقالوا: ربنا . إخواننا كنا معهم فبم فضلتهم علينا؟ فيقول: هيهات هيهات إنهم كانوا يجوعون حين تشبعون، ويظمؤون حين تروون، ويقومون حين تنامون، ويشخصون حين تخفضون " . ويوجب أيضا نعيم الجنة ما لم يطلع عليه العباد في الدنيا قال الله عز وجل: تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون وفي "الصحيح " عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يقول الله عز وجل: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر اقرؤوا إن شئتم: فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون " . قال بعض السلف: أخفوا لله العمل فأخفى الله لهم الجزاء فلو قدموا عليه لأقر تلك الأعين عنده .

ومما يجزي به المتهجدين في الليل كثرة الأزواج من الحور العين في الجنة فإن المتهجد قد ترك لذة النوم بالليل ولذة التمتع بأزواجه طلبا لما عند الله عز وجل فعوضه الله تعالى خيرا مما تركه وهو الحور العين في الجنة، ومن هنا قال بعضهم: طول التهجد مهور الحور العين في الجنة .

وكان بعض السلف يحيي الليل بالصلاة، ففتر عن ذلك فأتاه آت، فقال له: قد كنت يا فلان تدأب في الخطبة، فما الذي قصر بك عن ذاك؟ كنت تقوم من الليل أو ما علمت أن المتهجد إذا قام إلى التهجد قالت الملائكة: قد قام الخاطب إلى خطبته؟!

ورأى بعضهم في منامه امرأة لا تشبه نساء الدنيا فقال لها: من أنت؟ قالت: حوراء أمة الله، فقال لها: زوجيني نفسك، قالت: اخطبني إلى سيدي وامهرني، قال: وما مهرك؟ قالت: طول التهجد .

قام بعض المتهجدين ذات ليلة فرأى في منامه حوراء تنشد:

أتخطب مثلي وعني تنام     ونوم المحبين عنا حرام
لأنا خلقنا لكل امرئ     كثير الصلاة براه الصيام



وكان لبعض السلف ورد من الليل فنام عنه ليلة فرأى في منامه جارية كأن وجهها القمر، ومعها رق فيه كتاب فقالت: أتقرأ؟ قال: نعم، فأعطته إياه ففتحه فإذا فيه مكتوب


أتلهو بالكرى عن طيب عيش     مع الخيرات في غرف الجنان
[ ص: 185 ] تعيش مخلدا لا موت فيه     وتنعم في الجنان مع الحسان
تيقظ من منامك إن خيرا     من النوم التهجد بالقران



فاستيقظ قال: فوالله ما ذكرتها إلا ذهب عني النوم .

كان بعض الصالحين له ورد فنام عنه فوقف عليه فتى في منامه فقال له بصوت محزون:


تيقظ لساعات من الليل يا فتى     لعلك تحظى في الجنان بحورها
فتنعم في دار يدوم نعيمها     محمد فيها والخليل يزورها
فقم فتيقظ ساعة بعد ساعة     عساك توفي ما بقي من مهورها



كان بعض السلف الصالحين كثير التعبد، فبكى شوقا إلى الله عز وجل ستين سنة فرأى في منامه كأنه على ضفة نهر يجري بالمسك حافتاه شجر لؤلؤ ونبت من قضبان الذهب، فإذا بجوار مزينات يقلن بصوت واحد: سبحان المسبح بكل لسان سبحانه . سبحان الموحد بكل مكان سبحانه . سبحان الدائم في كل الأزمان سبحانه . فقال لهن: ما تصنعن ههنا؟ فقلن:


برانا إله الناس رب محمد     لقوم على الأقدام بالليل قوم
يناجون رب العالمين إلههم     وتسري هموم القوم والناس نوم



فقال: بخ بخ لهؤلاء، من هم، لقد أقر الله أعينهم بكن؟ فقلن: أو ما - تعرفهم؟ قال: لا، فقلن: بلى هؤلاء المتهجدون أصحاب القرآن والسهر .

وكان بعض الصالحين ربما نام في تهجده، فتوقظه الحوراء في منامه فيستيقظ بإيقاظها . وروي عن أبي سليمان الداراني أنه قال: ذهب بي النوم [ ص: 186 ] ذات ليلة في صلاتي فإذا بها - يعني الحوراء - تنبهني وتقول: يا أبا سليمان أترقد وأنا أربى لك في الخدر منذ خمسمائة سنة . وفي رواية عنه: أنه نام ليلة في سجوده قال: فإذا بها قد ركضتني برجلها وقالت: حبيبي أترقد عيناك والملك يقظان ينظر إلى المتهجدين في تهجدهم؟ بؤسا لعين آثرت لذة نوم على مناجاة العزيز، قم فقد دنا الفراغ ولقي المحبون بعضهم بعضا، فما هذا الرقاد يا حبيبي وقرة عيني؟ أترقد عيناك وأنا أربى لك في الخدور منذ خمسمائة عام؟ فوثب فزعا وقد عرق من توبيخها له، قال: وإن حلاوة منطقها لفي سمعي وقلبي .

وكان أبو سليمان يقول: أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم، ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا .

وقال يزيد الرقاشي لحبيب العجمي: ما أعلم شيئا أقر لعيون العابدين في الدنيا من التهجد في ظلمة الليل، وما أعلم شيئا من نعيم الجنان وسرورها ألذ عند العابدين ولا أقر لعيونهم من النظر إلى ذي الكبرياء العظيم إذا رفعت تلك الحجب، وتجلى لهم الكريم، فصاح حبيب عند ذلك وخر مغشيا عليه .

وكان السري يقول: رأيت الفوائد ترد في ظلام الليل .

وقال أبو سليمان: إذا جن الليل وخلا كل محب بحبيبه افترش أهل المحبة أقدامهم، وجرت دموعهم على خدودهم، أشرف الجليل جل جلاله فنادى يا جبريل بعيني من تلذذ بكلامي واستروح إلى مناجاتي، ناد فيهم يا جبريل ما هذا البكاء هل رأيتم حبيبا يعذب أحباءه أم كيف يجمل بي أن أعذب قوما إذا جنهم الليل تملقوني، فبي حلفت، إذا قدموا علي يوم القيامة لأكشفن لهم [ ص: 187 ] عن وجهي، ينظرون إلي وأنظر إليهم .

وسئل الحسن البصري لم كان المتهجدون أحسن الناس وجوها؟ قال: لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم نورا من نوره .

رأت امرأة من الصالحات في منامها كأن حللا قد فرقت على أهل مسجد محمد بن جحادة، فلما انتهى الذي يفرقها إليه دعا بسفط مختوم فأخرج منه حلة صفراء، قالت: فلم يقم لها بصري فكساه إياها وقال: هذه لك بطول السهر، قالت: فوالله لقد كنت أراه - تعني محمد بن جحادة - بعد ذلك فأتخايلها عليه - تعني: تلك الحلة - .

قال كرز بن وبرة: بلغني أن كعبا قال: إن الملائكة ينظرون من السماء إلى الذين يتهجدون بالليل كما تنظرون أنتم إلى نجوم السماء .


يا نفس فاز الصالحون بالتقى     وأبصروا الحق وقلبي قد عمي
يا حسنهم والليل قد أجنهم     ونورهم يفوق نور الأنجم
ترنموا بالذكر في ليلهم     فعيشهم قد طاب بالترنم
قلوبهم للذكر قد تفرغت     دموعهم كلؤلؤ منظم
أسحارهم بهم لهم قد أشرقت     وخلع الغفران خير المقسم



في بعض الآثار يقول الله عز وجل كل ليلة: يا جبريل أقم فلانا وأنم فلانا . قام بعض الصالحين في ليلة باردة وكان عليه خلقان رثة فضربه البرد فبكى فسمع هاتفا يقول: أقمناك وأنمناهم ثم تبكي علينا .


تنبهوا يا أهل وادي المنحنى     كم ذا الكرى هب نسيم وجدي
كم بين خال وجو وساهر     وراقد وكاتم ومعبدي

[ ص: 188 ] قيل لابن مسعود: ما نستطيع قيام الليل، قال: أبعدتكم ذنوبكم . وقيل للحسن: أعجزنا قيام الليل، قال: قيدتكم خطاياكم، إنما يؤهل الملوك للخلوة بهم ومخاطبتهم من يخلص في ودادهم ومعاملتهم، فأما من كان من أهل مخالفتهم فلا يرضونه لذلك .


الليل لي ولأحبابي أحادثهم     قد اصطفيتهم كي يسمعوا ويعوا
لهم قلوب بأسرار لها ملئت     على ودادي وإرشادي لهم طبعوا
قد أثمرت شجرات الفهم عندهم     فما جنوا إذ جنوا مما به ارتفعوا
سروا فما وهنوا عجزا وما ضعفوا     وواصلوا حبل تقريبي فما انقطعوا



التالي السابق


الخدمات العلمية