صفحة جزء
قوله تعالى: وما أنا بظلام للعبيد

فقوله - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي " . يعني: أنه منع نفسه من الظلم لعباده، كما قال عز وجل: وما أنا بظلام للعبيد وقال: وما الله يريد ظلما للعباد وقال: وما الله يريد ظلما للعالمين وقال: وما ربك بظلام للعبيد وقال: إن الله لا يظلم الناس شيئا وقال: إن الله لا يظلم مثقال ذرة وقال: ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما والهضم: أن ينقص من جزاء حسناته، والظلم: أن يعاقب بذنوب غيره، ومثل هذا كثير في القرآن .

وهو مما يدل على أن الله قادر على الظلم، ولكنه لا يفعله فضلا منه وجودا، وكرما وإحسانا إلى عباده . وقد فسر كثير من العلماء الظلم: بأنه وضع الأشياء في غير موضعها . وأما من فسره بالتصرف في ملك الغير بغير إذنه - وقد نقل نحوه عن إياس ابن معاوية وغيره - فإنهم يقولون: إن الظلم مستحيل عليه، وغير متصور في حقه، لأن كل ما يفعله فهو تصرف في ملكه، وبنحو ذلك أجاب أبو الأسود [ ص: 306 ] الدؤلي لعمران بن حصين حين سأله عن القدر .

وخرج أبو داود ، وابن ماجه من حديث أبي سنان سعيد بن سنان، عن وهب بن خالد الحمصي، عن ابن الديلمي أنه سمع أبي بن كعب يقول: لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه; لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم، لكانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم . وأنه أتى ابن مسعود ، فقال له مثل ذلك، ثم أتى زيد بن ثابت ، فحدثه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثل ذلك . وفي هذا الحديث نظر، ووهب بن خالد ليس بذاك المشهور بالعلم، وقد يحمل على أنه لو أراد تعذيبهم لقدر لهم ما يعذبهم عليه، فيكون غير ظالم لهم حينئذ . وكونه خلق أفعال العباد وفيها الظلم لا يقتضي وصفه بالظلم سبحانه وتعالى، كما أنه لا يوصف بسائر القبائح التي يفعلها العباد، وهي خلقه وتقريره، فإنه لا يوصف إلا بأفعاله لا يوصف بأفعال عباده، فإن أفعال عباده مخلوقاته ومفعولاته، وهو لا يوصف بشيء منها، إنما يوصف بما قام به من صفاته وأفعاله، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية