صفحة جزء
قوله تعالى: إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم والله بما تعملون خبير (271)

في صدقة السر، وفي فضلها، نصوص كثيرة، فمن القرآن: قوله: وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم

ومن السنة: حديث: "رجل تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله، ما تنفق يمينه " . وحديث: "الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة" . وحديث أنس : "لما خلق الله الأرض، جعلت تميد فخلق الجبال . . " الحديث، وفي آخره: "قيل: فهل من خلقك شيء أشد من الريح; قال: نعم، ابن آدم يتصدق بيمينه فيخفيها عن شماله " . وحديث أبي ذر ، وزاد: ثم نزع بهذه الآية: إن تبدوا الصدقات فنعما [ ص: 193 ] هي وحديث: "صدقة السر، تطفئ غضب الرب عز وجل، وتدفع ميتة السوء" خرجه الترمذي ، وابن حبان .

وحديث أبي طلحة ، لما تصدق بحائطه، وقال: "لو استطعت أن أسره، لم أعلنه " خرجه الترمذي في "تفسيره" .

واختلفوا في الزكاة: هل الأفضل إسرارها أم إظهارها؟ فروي عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قال: جعل الله صدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها، يقال: بخمسة وعشرين ضعفا، خرجه ابن جرير . وفي رواية، قال: وكذلك جميع الفرائض والنوافل في الأشياء كلها . وقال سفيان الثوري في هذه الآية: هذا في التطوع . وعن يزيد بن أبي حبيب : إنما نزلت هذه الآية في اليهود والنصارى وكان يأمر بقسم الزكاة في السر، قال ابن عطية : وهذا مردود، لا سيما عند السلف الصالح، فقد قال ابن جرير الطبري : أجمع الناس، أن إظهار الواجب أفضل .

قال المهدوي: وقيل المراد بالآية فرض الزكاة والتطوع، وكان الإحفاء فيها أفضل في مدة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم ساءت ظنون الناس بعد ذلك، فاستحسن العلماء إظهار الفرائض لئلا يظن بأحد المنع .

قال ابن عطية : وهذا القول مخالف للآثار، قال: ويشبه في زمننا أن [ ص: 194 ] يحسن التستر بصدقة الفرض، فقد كثر المانع لها، وصار إخراجها عرضة للرياء .

وهذا الذي تخيله ابن عطية ضعيف، فلو كان الرجل في مكان يترك أهله الصلاة، فهل يقال: إن الأفضل أن لا يظهر صلاته المكتوبة؟! .

وقال النقاش : إن هذه الآية نسخها قوله تعالى: الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية الآية . انتهى ما ذكره . ودعوى النسخ ضعيف جدا، وإنما معنى هذه الآية، كمعنى التي قبلها: إن النفقة تقبل سرا، وعلانية . وحكي عن المهدوي أن قوله تعالى: ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء رخصت في صدقة الفرض، على أهل القرابات المشركين .

قال ابن عطية : وهذا عندي مردود . وحكي عن ابن المنذر نقل إجماع من يحفظ: أنه لا يعطى الذمي من صدقة المال شيئا .

قلت: روي عن ابن عمر أنه قال: في قوله تعالى: إنما الصدقات للفقراء والمساكين أن المساكين: أهل الكتاب، وإسناده لا يثبت .

وروى الثعلبي بإسناده عن سعيد بن سويد الكلبي يرفعه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الجهر بالقراءة، والإخفاء فقال -: هي كمنزلة الصدقة إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم

وروى الثعلبي في "تفسيره"، عن أبي جعفر في قوله تعالى: إن تبدوا الصدقات فنعما هي قال: هي الزكاة المفروضة، وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم [ ص: 195 ] قال: يعني التطوع . هذا تفسير غريب .

التالي السابق


الخدمات العلمية