1. الرئيسية
  2. زهرة التفاسير
  3. تفسير سورة التوبة
  4. تفسير قوله تعالى ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله
صفحة جزء
ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول ألا إنها قربة لهم سيدخلهم الله في رحمته إن الله غفور رحيم

هذا هو الصنف من الأعراب الذي أخلص لله تعالى، وسلمت قلوبهم من النفاق، وآمنوا بالله وأقاموا الصلاة، وقد ابتدأ سبحانه وتعالى بالإيمان بالله تعالى، [ ص: 3425 ] فقال: ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ذكر سبحانه وتعالى الإيمان بالله تعالى وهو الإيمان بوحدانيته، وأنه الخالق من غير شريك، والواحد في صفاته من غير مثل، والمتفرد بالألوهية والعبادة وحده سبحانه وتعالى، والإيمان بأن له رسلا أرسلهم إلى خلقه ويؤيدهم بمعجزات باهرة تدل على أنهم يتحدثون عن الله، وأنه أرسل محمدا بالهدى ودين الحق بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا.

فذكر الإيمان بالله تعالى يقتضي الإيمان برسله عامة ورسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - خاصة، وقال تعالى: واليوم الآخر وهو يوم القيامة وما قبله من بعث ونشور وحساب وثواب وعقاب، فكل ذلك إيمان باليوم الآخر، وهو إيمان بأن الإنسان لم يخلق عبثا، وأن الدنيا قنطرة الآخرة.

وقوله تعالى وهو ما يتبع الإيمان: ويتخذ ما ينفق قربات ومعنى (يتخذ) يفعلها قاصدا أن تكون قربات، لا كالذين فعلوها على أنها مغرم من المغارم يغرمونها، قربات أي: يفعلونها متقربين بها إلى الله تعالى، فالقربات جمع قربة، وهي ما يتقرب به إلى الله تعالى، وجمعها لتعدد الخير في الصدقات فهي طاعة لله تعالى وهذه قربة، ووقاية النفس من شحها وهذه قربة أيضا، ومعاونة اجتماعية وهذه قربة رابعة، وعلاج لأدواء المجتمع الإسلامي بإعطاء السائل والمحروم حقهما، وتلك قربة خامسة، وطب لنفوس المحاويج حتى لا يحقدوا على المجتمع، وهذه قربة سادسة. وهكذا تجتمع القربات في الزكاة وهي الإنفاق في سبيل الله.

وصلوات الرسول معطوفة على ما ينفق قربات للرسول، وصلوات الرسول قال أكثر المفسرين إنها جمع صلاة بمعنى دعاء أي دعوات الرسول التي يدعو الله تعالى بها عند قبول الصدقات، أي: أنهم يتخذون الزكاة قربات لهم [ ص: 3426 ] ودعاء الرسول بالبركة يتخذونها قربات أيضا، ويزكي ذلك قوله تعالى بعد ذلك: ألا إنها قربة لهم

وقد خطر على ذهني أن قوله تعالى: وصلوات الرسول معطوفة على قوله ما ينفق قربات أن الظاهر الصلوات المفروضة وليس الدعاء المقرون من الرسول بقبول الصدقات وإضافتها إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - باعتبار الصلاة فرضت في القرآن، وبينها النبي - صلى الله عليه وسلم - بيانا عمليا، فقال معلما للمؤمنين " صلوا كما رأيتموني أصلي " فكانت صلوات المؤمنين جميعا هي صلوات النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكانت إضافتها إليه - صلى الله عليه وسلم - باعتباره المبين لهذه الفرائض ويكون هؤلاء المتقون من الأعراب قد قاموا بالصلاة والزكاة معا، لا يفرقون بينهما كما أراد المرتدون. ثم قال تعالى: ألا إنها قربة لهم

الضمير - على ما قلنا - يعود إلى الصلوات، وعلى قول أكثر المفسرين يعود إلى ما ينفقون في سبيله، ولا شك أن عوده إلى الصلوات أوضح; لأن الضمير مؤنث، وهو أجدر بأن يعود على جمع مؤنث.

و: (ألا) هنا أداة تنبيه، وهي تفيد معنى القربة وتؤكده، وتغني عن ذكر وصف الصلوات بأنها قربة أيضا.

وقوله تعالى: سيدخلهم الله في رحمته (السين) لتحقق الدخول في الرحمة، والرحمة إما أن يراد بها الجنة وعبر عنها بالرحمة; لأنها نعيم مقيم وأعلى رحمة يعلو الإنسان إليها، وإما أن يراد بها الرحمة الشاملة المذكورة ورحمتي وسعت كل شيء لتشمل الجنة وغيرها ويكون المعنى أنهم باتخاذهم ما ينفقون والصلوات - تحيط بهم رحمة الله تعالى لا يخرجون منها إلا إليها. [ ص: 3427 ]

وقد ختم الله تعالى الآية بما يفتح باب التوبة للأعراب، وهم أقرب المنافقين في المدينة الذين مردوا على النفاق فقال تعالى: إن الله غفور رحيم أكد غفران الله تعالى ورحمته بـ (إن) المؤكدة، وبالجملة الاسمية، وبصيغة غفور رحيم

وبعد أن بين الله أحوال الأعراب ما بين مؤمن ومنافق، ذكر أحوال الذين سبقوا إلى الإيمان.

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية