1. الرئيسية
  2. زهرة التفاسير
  3. تفسير سورة التوبة
  4. تفسير قوله تعالى أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون
صفحة جزء
ثم قال تعالى موضحا حالهم:

* * *

أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون وإذا ما أنـزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم

* * * [ ص: 3491 ]

كان المنافقون في المدينة ملتوية أفكارهم كما تلتوي العيون بحول يصيبها، فهم يرون النور، ولكن أعينهم يزيدها لمعان النور انحرافا عن التفكير السليم، كان المؤمنون يغزون ويجاهدون، وهؤلاء يشتد نفاقهم وكيدهم كلما رأوا عزة للمؤمنين بعد عزة، وتمكينا لهم في المدينة بعد تمكين، وعلوا في أرض العرب، وهم يعيشون في أمان، يرجون للمؤمنين الشر والانتكاس.

فيقول سبحانه:

أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين (الواو) للاستئناف وهي مقدمة في المعنى على الاستفهام، ولكن قدمت همزة الاستفهام، لأن الاستفهام له الصدارة، والاستفهام للتوبيخ، والمعنى: أيستمرون على حالهم من النفاق، ولا يتدبرون، وهم يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين وهم لا يذكرون، الفتنة اختبار النفوس بشدة كما يختبر الذهب ليخرج ما فيه من غش، والمعادن لإزالة الصدأ، وإن الله يختبر الناس فيما يحبون، فيختبر سبحانه المحب للمال في ماله، والمحب للنساء والولد فيهما، ويختبر المؤمنين بالخوف، ويختبر المنافقين فيما يحبون من خذلان المؤمنين، وهو أن تخضد شوكتهم وتفل قوتهم، ويختبرهم الله بذلك مرة أو مرتين كل عام، ومرتين يقصد بها مرات، فيعطي الله في الاختبار للمؤمنين نصرا مؤزرا، اختبرهم ببدر، فأنشأوا في أنفسهم النفاق واختبرهم في بني قينقاع، وقد أجلاهم الرسول عن المدينة لما حرضهم المنافقون على المؤمنين، واختبرهم في أحد إذ أجلى بعض اليهود، واختبرهم في الخندق بتحريضهم بني قريظة، فأباد نصراءهم، واختبرهم بالنصر للمسلمين في السرايا، واختبرهم بفتح مكة، ثم اختبرهم بالانتصار في الطائف على هوازن وثقيف، ثم اختبرهم في تبوك، وهكذا توالى الاختبار بالمحن تنزل بهم من فرط غيظهم من الإيمان والمؤمنين.

هذا بعض ما يدل عليه قوله تعالى: أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين أي: مرات، ولو كانت نفوسهم غير ملتوية وعقولهم غير منحرفة، لكان [ ص: 3492 ] توالي هذا النصر رادعا، وحاملا لهم على ترك غيهم، ولذا قال تعالى: ولا هم يذكرون أي: رجاء أن يتذكروا أنهم على الباطل، وأن في قلوبهم أمراضا عليهم أن يعالجوها، وأن ما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - هو الحق الذي لا ريب فيه، وأن الله ناصره غير خاذله، وأن العاقبة للمتقين، فإذا تذكروا واعتبروا واتخذوا مما وقع دليلا على ما يقع فاستقاموا، ولكنهم لم يتذكروا واستمروا في غيهم; لأنهم انفصلوا بأحاسيسهم عن الناس، فعاشوا في محيطهم المنافق، فلم يعتبروا وإذا جاءتهم التذكرة أعرضوا عنها، ولذا قال تعالى:

التالي السابق


الخدمات العلمية