صفحة جزء
[ ص: 1050 ] يمحق الله الربا ويربي الصدقات المحق النقص والذهاب ، ومنه محاق القمر : أي انتقاصه في الرؤية شيئا فشيئا حتى لا يرى ، فكأنه زال وذهب ; والله سبحانه وتعالى يمحق الربا في الدنيا والآخرة ; ففي الآخرة عقاب أليم ، وعذاب مقيم ، وفي الدنيا ينقص ماله ، كما قال - صلى الله عليه وسلم - : [" الربا وإن كثر ، فإن عاقبته تصير إلى قل "] أو تمحى من المال البركة ، بحيث لا يمكن الانتفاع به ، إما لهم دائم وقلق مستمر ، وإما لمرض يصيبه فيكون المال الكثير مع عدم القدرة على الانتفاع به ، كمن عنده طعام شهي ولكنه لا يستطيع أن يتناوله ; لأنه يكون وبالا عليه ; وإما لمقت الناس له ، فيفقد تعاونهم ، وفي ذلك شر عليه ، والربوي لا يمكن أن يخلو في الدنيا من واحد من هذه الأمور ، فكان الربا ممحوقا دائما .

هذه نتيجة الربا ، أما الصدقات فإن الله يربيها وينميها ، إما بالكسب الوفير ، وإما بفضل التعاون وبالهدوء والاطمئنان ، ثم بالنعيم المقيم يوم القيامة ; كما قال عليه الصلاة والسلام : " إن صدقة أحدكم لتقع في يد الله فيربيها كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله ، حتى يجيء يوم القيامة ، وإن اللقمة لعلى قدر أحد " .

والصدقة ليس المراد منها مجرد العطاء ، بل تشمل كل نفع عام أو خاص لا يقصد به المؤمن المنفعة الشخصية التي تنبع من الهوى ، وعلى ذلك يكون القرض الحسن الذي يقصد به التعاون على الاستغلال من الصدقة أيضا ، وهو من خير الصدقات أيضا ، وهو من خير الصدقات التي يربيها الله في الدنيا والآخرة .

والله لا يحب كل كفار أثيم هذا تهديد لمن استحلوا الربا ، أو ارتكبوه ، وقد ذكروا في ذلك الكلام العام للإشارة إلى أن المرابين يسترون الحق ، ويعوقون عن الخير ; إذ معنى " كفار " من كفر بمعنى ستر وأخفى وجحد ، فهي صيغة مبالغة لكافر ; [ ص: 1051 ] ومعنى أثيم معوق مبطئ عن الخير ، فالذين يرابون ويأكلون أموال الناس بالباطل يدخلون في عموم قوله تعالى : كل كفار أثيم وقد جمع سبحانه وتعالى بين الوصفين للإشارة إلى أن إيمان المرابين ناقص إن لم يستحلوه ، وهم كفار إن استحلوه ; وهم في الحالين آثمون معاقبون ، ولكل حال مقدارها من الإثم ، فليس إثم من جحد بآيات الله كإثم من نقص إيمانه بترك العمل بها ، فذلك كافر ، وهذا فاسق ، وفرق ما بين الأمرين عظيم . ويصح أن نقول : إن الكافر هو الكفار بنعمة الله والتمادي في كفرانها ، بأن يتخذ ما أنعم الله به عليه من نعم كالمال ، في الإيذاء لا في النفع ، فيأكل أموال الناس بالباطل بسبب ما أعطاه الله من مال ، وإن ذلك توجيه حسن ، وهو في هذا المقام مناسب .

ونفي حب الله تعالى بحرمان الآثمين من رضاه ; إذ إن محبة الله تعالى شأن من شئونه ، ومن مظهره الرضا ، ومن حرم من رضا الله فقد حرم خير الدنيا والآخرة ، وإلى الله عاقبة الأمور .

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية