1. الرئيسية
  2. زهرة التفاسير
  3. تفسير سورة البقرة
  4. تفسير قوله تعالى إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم
صفحة جزء
إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ( 277 يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون

* * * [ ص: 1052 ] بين الله سبحانه وتعالى في الآية السابقة الجرم العظيم الذي يقع فيه آكل الربا ، والأثر الذي ينال نفوسهم وعقولهم من مغبة إثمهم ، والعذاب الأليم الذي يرتقبهم يوم القيامة ، ثم بين سبحانه بعد ذلك جزاء الصالحين الذين لا يأكلون الربا ، والذين يستبدلون بأكل أموال الناس بالباطل الزكاة يؤدونها ، والفرائض يقيمونها ، وحق الله والناس في أنفسهم وأموالهم يأتون به على الوجه الأكمل ، وبعد بيان تلك المرتبة العالية لأهل الإيمان ، ذكر الطريق لتوبة أكلة الربا ، والمسلك الذي يسلكونه ليرتفعوا إلى مرتبة الطاهرين ، وعاقبة السوء إن استمروا في غيهم يعمهون . ابتدأ سبحانه ببيان الأطهار في مالهم وأنفسهم فقال سبحانه :

إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة ذكر سبحانه ذلك الصنف الفاضل الذي جعله الله تعالى من صفوة عباده ، فوصفه بأربع صفات ، هي : الإيمان . . والعمل الصالح . . وإقامة الصلاة . . وإيتاء الزكاة . أما الوصف الأول فهو الإيمان ، فهو نور القلب به يشرف وبه يهتدي ، وإذا قوي الإيمان تطهرت النفس من كل أدران الهوى ومقاصد السوء . وذكر القرآن الإيمان في أول أوصاف الأبرار لثلاثة أمور :

أولها : إن الإيمان بالله ورسوله إذا استغرق النفس ، واستولى على القلب وجد الإخلاص للناس وطلب الحق ، فاتجه الإنسان بكل جوارحه إليه ; والإخلاص هو النور الذي يهتدي به الإنسان ويحميه من كل حيرة .

وثانيها : إن الإيمان الذي هو الوصف الثابت للمؤمنين هو والربا نقيضان لا يجتمعان ; فما من شخص يأكل الربا أو يبيحه إلا كان منشأ ذلك نقصا في إيمانه ، واضطرابا في يقينه ، إذ يكون إيمانه بالمال أكثر من إيمانه بالله .

وثالثها : إن الإيمان يتضمن معنى الإذعان للحق ، ومن ادعى الإيمان ولم يذعن للحق ، فقد جافى حقيقته .

من أجل هذه المعاني صدرت أوصاف الذين لا يأكلون الربا بوصف الإيمان .

[ ص: 1053 ] والوصف الثاني من أوصاف الذين لا يأكلون الربا : هو العمل الصالح ، والعمل الصالح هو كل عمل فيه خير للمجتمع الذي يعيش فيه المؤمن ، يبتدئ فيه بالأسرة : الأقرب فالأقرب ، ثم بالجيران : الأدنى فالأدنى ، ثم بالعشيرة كلها ، ثم بقومه ، ثم بأمته .

وإن اقتران الإيمان دائما بالعمل الصالح يدل على أن الإسلام يدعو إلى العمل الإيجابي للخير ، فليس الإيمان في الإسلام مجرد نزاهة روحية ، وتعبد في الصوامع ، إنما الإيمان مظهره عمل إيجابي فيه نفع للناس ; فالإسلام يدعو إلى العمل الإيجابي ، لا مجرد التقديس السلبي .

وإذا كان العمل الصالح هو النفع العام والنفع الخاص ، فإنه يفترق عن الصلاة والزكاة ، من حيث إن هذه هي الفرائض الوقتية المنظمة للعلاقات بين العبد وربه ، وبين العبد والناس ، أما العمل الصالح فهو الحال الدائمة للمؤمن التي لا تتقيد بزمان ولا مكان ، ولا حال ، فكما أن الإيمان حال دائمة ، فالعمل الصالح أي النفع الدائم المستمر للإنسان هو الذي ينبغي أن يكون حالا دائمة مستمرة للمؤمن .

وذكر هذا الوصف في مقابل أكل الربا فيه إشارة إلى التقابل بين الشر والخير ، والإثم والبر ، فإن الإثم إيذاء للناس ومن ذلك الربا ، وأخلاق المؤمن العمل النافع الدائم للناس ، وهو الخير وهو البر .

والوصف الثالث : إقامة الصلاة ، أي الإتيان بها مقومة غير معوجة بحيث يستذكر فيها المصلي ربه ، ولا يسهو فيها عن ذكره سبحانه ، وما ذكرت الصلاة في مقام المدح للمصلين إلا ذكرت بالإقامة ، لأن إقامتها هي التي تهذب النفس ، وتبعدها عن الفواحش والمنكرات ، كما قال تعالى : إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر

وإن ذكر الصلاة بجوار العمل الصالح فيه إشارة إلى أن الإسلام يلتقي فيه وصفان جليلان : التهذيب الروحي ، والنزاهة النفسية التي تكون بالصلاة والمداومة [ ص: 1054 ] على إقامتها ، والعمل النافع المستمر وجلب الخير للناس ، ففيه نزاهة الروح والنفع العام .

والوصف الرابع من أوصاف المؤمنين إيتاء الزكاة ، والزكاة هي الفريضة الاجتماعية التي فرضها الله سبحانه وتعالى ، وبها يأخذ ولي الأمر من مال الغني ما يسد به حاجة الفقير ، فهي قدر معلوم قدره الشارع الحكيم ، بحيث يأخذه من مال الغني قسرا أو اختيارا ، وذكر الله سبحانه وتعالى في هذه الجملة أولئك الذين يؤتون الزكاة طواعية واختيارا ، فهم يعطونها محتسبين النية معتقدين أن الزكاة مغنم لهم ومطهرة لأموالهم ، وليست مغرما لهم ، ولا منقصة لأموالهم . وقد أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أن المسلمين بخير ما حسبوا الزكاة مغنما ، ولم يحسبوها مغرما ، ولقد قال تعالى : خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها

وذكرت الزكاة في هذا المقام ; لأنها مقابلة للربا كما بينا في الآية السابقة ، وقد تلونا فيما سبق قول الله تعالى : وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون

لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون هذا جزاء الذين يؤمنون ، ويعملون العمل الصالح في سبيل النفع ، ويطهرون نفوسهم بالصلاة ، ويطهرون أموالهم بالزكاة ، وقد ذكر سبحانه وتعالى لهم أنواعا ثلاثة من الجزاء . أولها : الأجر ، وهو عوض ما قاموا به من خير ، واعتبر إنعامه عليهم بأضعاف ما صنعوا أجرا وعوضا وهو المنعم المتفضل ، حثا على فعل الخير ، وتعليم الناس الشكر ، ومقابلة الخير بالخير .

والثاني من أنواع الجزاء : الأمن وعدم الخوف ، فلا مزعج يزعج فاعل الخير ، إذ إنه بالعمل للنفع العام ، وتطهير النفس ، وإعطاء الفقير حقه المعلوم قد وقى نفسه ووقى مجتمعه من ذرائع الفتن ونوازع الشر ، هذا في الدنيا ; أما في الآخرة ، فالأمن من عذاب الله تعالى .

[ ص: 1055 ] والجزاء الثالث : أنهم لا يحزنون ، وذلك لأنهم باستقامة قلوبهم ، وامتلائها بالإيمان وتهذيب أرواحهم وأدائهم ما عليهم من واجب في حق أنفسهم ومجتمعهم - قد حصنوا أنفسهم من أسباب الهم والغم ، فلا يأسون على ما يفوتهم ، ولا يجزعون لما يصيبهم ، لأن نفوسهم روحانية تعلو عن متنازع الأهواء التي تملأ النفس بأسباب الهم والغم .

وإن ذكر هذه الأحوال في مقام مقابل لحال الربويين الذين لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس - له مغزاه ومعناه ، إذ فيه بيان للنعيم في مقابل الجحيم ، وللراحة والاطمئنان ، في مقابل الجزع والاضطراب ، وكل امرئ بما كسب رهين .

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية