صفحة جزء
ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد هذه هي الضراعة الثانية التي اقترنت بآية المحكم والمتشابه في القرآن ، والكلام فيها كالكلام [ ص: 1119 ] في الآية السابقة ، من حيث كون هذا الدعاء من مقول الراسخين في العلم ، أو تعليم من الله للراسخين في العلم من المؤمنين ، وكلاهما ينتهي إلى أن هذه الضراعة إن صدرت عن القلب تكون مانعة له من الزيغ ، فإن الإيمان باليوم الآخر لب الإيمان ، وهو يربي الإذعان ، وفيه كل معاني التفويض ، وبه يستعين المؤمن على محاربة داعي الهوى والشهوة . وقوله تعالى على لسان المؤمن الراسخ في العلم : ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه تنبيه إلى أنه في هذا اليوم يتبين الحق ، ويواجه المحق والمبطل ، ويعلن الذين يزيغون والذين يذعنون ، ويتبين زيغ الزائغ وجزاؤه ، وثمرات الإيمان وجزاؤه . وفي هذا تنبيه أيضا إلى أن اليوم الآخر لا ينبغي أن يكون محل ريب ، لأن الذي أخبر به هو الذي خلق الخلق ، فهو الذي بدأهم ، وهو الذي يعيدهم ، ولأنه سبحانه ما خلق الخلق عبثا ، وما ترك الأمر للباطل والمبطلين يرتعون في الأرض ويفسدون ، بل جعل للحق سلطانا ، وجعل له العلو ، فإن لم يكن في الحال ، فإنه سيكون لا محالة في المآل ، والله على كل شيء قدير .

والأساس في العلم باليوم الآخر هو إخبار الله تعالى الذي لا يحتمل إخلافا ; ولذلك قال سبحانه بعد ذلك : إن الله لا يخلف الميعاد أي إن اليوم الآخر الذي لا ينبغي لمؤمن أن يرتاب فيه هو وعد الله الذي وعد به المتقين ، ونذيره الذي أنذر به الجاحدين الضالين ، والله سبحانه وتعالى لا يخلف الميعاد . وفي هذه الجملة السامية إن الله لا يخلف الميعاد إشارة إلى الجزاء الأخروي وما فيه من جزاء بعد الحساب ، فهي تتضمن تبشيرا للمؤمنين ، وإنذارا للعاصين الكافرين . جعلنا الله من المتقين المهتدين ، الذين لا يزيغون في فهم دينه ، وتفهم قرآنه ، والمذعنين للحق الطالبين له .

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية