صفحة جزء
وجه الله (تعالى) ذا القرنين إلى هؤلاء الأقوام؛ كما وجهه إلى المغرب؛ لينشر العدل والأمان والاطمئنان فيهم؛ وإن هذا التوجه؛ يكون منه ما كان أولا؛ ويحمل متاعب; ولذلك قال (تعالى): كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا الإشارة إلى ما كان منه أولا؛ من إقامة العدل؛ ووضع الموازين العادلة بينهما؛ والتشبيه هو بين ما قام أولا في المغرب؛ وبين ما يقوم الآن؛ أو ما يجب أن يقوم به الآن؛ في المشرق؛ أي أنه بمقتضى ما وهبه الله (تعالى) من مواهب القوة والقدرة على التنفيذ؛ والشعور بالعدالة الواجبة؛ ووضع موازين؛ قد كلفه مرة ثانية في المشرق أن يصلح؛ ويدفع الفساد في المشرق؛ كما أصلح في المغرب؛ وهكذا يهب الله البشرية في بعض الأزمان رجلا صالحا ينشر العدل؛ والإصلاح؛ ويمنع الفساد؛ وفي بعض الأزمان يختبر الله (تعالى) الناس؛ ليظهر الخبيث من الطيب؛ ببعض رجال الفساد - أو دول الفساد - يسيطر؛ فيضل ويفسد؛ كما نرى في عصرنا؛ ولا حول ولا قوة إلا بالله (تعالى). [ ص: 4584 ] وإن ما يستقبل ذا القرنين في مطلع الشمس أقوى وأشد مما استقبله في مغربها؛ وذلك لجهلهم؛ وعدم درايتهم؛ وبداوتهم; ولذا قال (تعالى): وقد أحطنا بما لديه خبرا أي: أحطنا بحاله؛ والواجبات عليه؛ وكفايته لها؛ وما تستلزمه حال الأقوام من واجبات على الحاكم يقوم بها؛ ولا يتوانى عنها؛ أحطنا علما دقيقا بذلك؛ وهو علم الخبير العليم؛ وفي الكلام في مثل قوله: وأن الله قد أحاط بكل شيء علما ؛ و أحطنا بما لديه خبرا مجاز بالاستعارة؛ إذ يشبه علم الله (تعالى) في استقرائه للمعلوم؛ بمن يحيط بمكان؛ فيعرف كل ما في داخله؛ لا يغيب شيء عن علمه؛ بجامع الإحاطة الكاملة؛ وقد أحاط علمه كل ما في السماوات والأرض.

والمقصود الظاهر من النص أن الله إذ كلف ذا القرنين ذلك التكليف؛ هو محيط علما دقيقا بما لديه من قوى عقلية؛ ونفسية؛ وطاقة قادرة على ما كلف؛ ومحيط بما يحتاج إليه ما كلفه من جهد في علاج هذه التكليفات.

التالي السابق


الخدمات العلمية