1. الرئيسية
  2. زهرة التفاسير
  3. تفسير سورة الحج
  4. تفسير قوله تعالى ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر
صفحة جزء
خضوع الوجود لإرادته - سبحانه -

قال الله (تعالى): ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء .

[ ص: 4960 ] هذا بيان من الله (تعالى) لخضوع الناس جميعا؛ والكون كله؛ لإرادته - سبحانه -؛ والاستفهام هنا لإنكار الوقوع؛ بمعنى النفي؛ وهو داخل على حرف النفي "لم "؛ ونفي النفي إثبات مؤكد؛ كأنه كان استفهام؛ ثم نفي؛ والمعنى: لقد رأيت أيها القارئ للقرآن الكريم أن الله يسجد له من في السماوات والأرض؛ أي: يخضع خضوعا مطلقا كل من في السماوات والأرض؛ طوعا أو كرها؛ كما قال (تعالى) في سورة "الرعد ": ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال ؛ إلى أن قال - عز من قائل -: ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال

والسجود طوعا هو بإرادة العبادة من العقلاء المختارين؛ والسجود كرها؛ أي: بحكم الخضوع المطلق لإرادة المنشئ للكون الواحد القهار.

و "من "؛ في قوله: من في السماوات ومن في الأرض ظاهر الكلام أن ذلك من العقلاء كالملائكة؛ الذين لا يعصون الله ما أمرهم؛ ويفعلون ما يؤمرون؛ والعقلاء من الجن والإنس المختارين المريدين؛ والباقي ممن ذكر؛ من الشمس والقمر والنجوم والجبال والدواب؛ هؤلاء ينطبق عليهم السجود كرها؛ فالوجود كله خاضع لله - سبحانه -؛ وإن من شيء إلا يسبح بحمده؛ فهم خاضعون له خضوع الشيء لمن أوجده؛ فالجبال تخر له؛ وتصير هباء منبثا؛ وتتحرك بإرادته وأمره؛ ثم ذكر - سبحانه - الظالمين والمهتدين من عباده؛ بالتفرقة بين الضال والمهتدي؛ فقال - سبحانه -: وكثير من الناس أي: كثير اهتدوا وآمنوا فهم في ذاتهم ليسوا عددا قليلا؛ وإن كان الفريق الثاني أكثر عددا؛ وإن لم يكونوا مهتدين; ولذا قال (تعالى): وكثير حق عليه العذاب أي أنه ليس بالمهتدي؛ بل كان من عبدة الأوثان؛ أو من أهل التثليث؛ أو من أعداء البشرية؛ اليهود؛ أو من عبدة النيران؛ أو من عبدة الكواكب؛ وعبدة الملائكة الذين قالوا عنهم: إنهم بنات الله (تعالى).

وذكر - سبحانه وتعالى - هؤلاء الضالين بجزائهم؛ وهو قوله: حق عليه العذاب للإشارة إلى أنه ملازمهم؛ به يعرفون؛ وبه يعينون؛ وقوله (تعالى): حق [ ص: 4961 ] عليه العذاب أي: ثبت لهم؛ ولازمهم؛ وكان عذابهم بحق؛ لأنهم ظلموا أنفسهم والناس؛ وضلوا ضلالا بعيدا؛ بعد أن جاءهم المرسلون؛ وقد كذبوا؛ وآذوا المؤمنين؛ وعاندوا الحق؛ وجحدوا به واستيقنته أنفسهم.

وإن الله قسم الناس: مهتد مكرم؛ ومهين قد لازمته الإهانة؛ ولا يمكن أن يكرمه أحد أبدا; ولذا قال (تعالى): ومن يهن الله فما له من مكرم وإهانة الله (تعالى) لمن يكتب له في لوحه المحفوظ؛ وقدره المحتوم؛ إنما تكون لمن سلك سبيل الغواية؛ وسد مسامع الهداية؛ فيأخذه - سبحانه - إلى مواطن الهوان؛ فبفعله هان؛ وبإعراضه عن الحق مريدا مختارا عذب؛ وحق عليه العذاب فما لأحد أن يكرمه؛ ولا يمكن أن يمكن من ذلك؛ ولا قدرة له عليه.

وقد أكد - سبحانه - إرادته الخالدة؛ فقال: إن الله يفعل ما يشاء أي: مما يريده ويشاؤه ويحبه؛ وليس لأحد من خلقه عنده إرادة؛ لا يسأل عما يفعل وهم يسألون وأعمالهم في سلطان إرادة الله - سبحانه وتعالى - فلا تخرج حركة عن حركة إلا بإذنه؛ وهو السميع العليم؛ وقد أكد - سبحانه - أن له وحده المشيئة المطلقة؛ والإرادة المختارة بـ "إن "؛ المؤكدة؛ وبذكر لفظ الجلالة الذي يدل على الإرادة المطلقة؛ والاتصال بكل كمال؛ والله على كل شيء قدير.

التالي السابق


الخدمات العلمية