صفحة جزء
وقد أشار - سبحانه - إلى أن الناس جميعا فطرة واحدة ينبعثون عن غرائز واحدة ، ويختلفون عند اصطدام هذه الغرائز ، واختلاف النزوع باختلافها ، ولذا قال - عز من قائل -: وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون وإن هذه ؛ " إن " ؛ بالكسر ، على أن الواو لاستئناف كلام جديد له؛ وثيق الصلة بالآية السابقة ، وقال أكثر المفسرين: إن " الأمة " ؛ بمعنى " الدين " ؛ و " الملة " ، و " أمة " ؛ منصوبة على الحال ، أي أن هذه أمتكم حال كونها أمة واحدة؛ أي: على دين واحد ، وهو توحيد الله (تعالى)؛ بلغته الرسل أجمعون ، ولكن جاء الاختلاف ، فتقطعوا زبرا ، وصاروا أحزابا ، ولكن كل حزب بما لديهم فرحون ، وقوله (تعالى): وأنا ربكم فاتقون أي أن ربكم واحد ، كما أن دينكم واحد ، أجمع عليه الرسل الذين بعثوا من عند الله ، والفاء في قوله (تعالى): فاتقون ؛ سببية ، أي: بسبب أني ربكم الذي خلقكم ، ويكلؤكم بالليل والنهار؛ فاتقون أي: اعبدوه ، واجعلوا بينكم وبين غضبه وقاية؛ هذه على تفسير " أمتكم " ؛ بمعنى: " دينكم الواجب اتباعه " ، ولا يصح أن تسمي غير التوحيد دينا قيما ، وقد عرض لي أن نفسر كلمة " أمة " ؛ بما فسرناها به في سورة " البقرة " ، في قوله (تعالى): كان الناس أمة واحدة أي: صنفا؛ على طريقة واحدة ، وعلى غرائز واحدة؛ وقد تتناحر نوازع النفوس التي تسير وراء الغرائز؛ من غير تهذيب بدين يجيء به نبي مرسل ، وبذلك يترتب التقاطع من هذه الوحدة في الغرائز والطبائع ، فإذا كان حب الغلب غريزة ، فإنه لابد من التغالب; لأن كلا يجد في نفسه دافعا لأن يكون هو الغالب ، فيكون التنازع والتقاطع ، ويكون التعبير بالفاء في قوله - في الآية الآتية -: فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا ؛ ، أي أنه جاء التقطع من وحدة الغرائز.

هذا ما بدر لنا ، والله أعلم بمراده ، وقوله: وأنا ربكم فاتقون أي أن النداء بالتقوى لكف الغرائز ، وتهذيبها؛ هو الذي يكفها ، ويجعلها في ميزان الاعتدال.

التالي السابق


الخدمات العلمية