صفحة جزء
حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون لا تجأروا اليوم إنكم منا لا تنصرون ؛ " حتى " ؛ للغاية؛ والمعنى: فهم في غفلتهم المستمرة الغامرة الحق بالباطل؛ لا يستبصرون؛ ولا يتيقظون؛ ولا ينبههم إلا قارعة تقرعهم; ولذا قال: حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب ؛ فتقرعهم القارعة؛ أي أنهم غافلون؛ حتى تنبههم من الغفلة قارعة تمس المترفين؛ وخص المترفين بالذكر؛ مع أن القارعة تعمهم وغيرهم إذ المهلكات تعم؛ ولا تخص المترفين منهم؛ خص المترفين; لأنهم أصل الإنكار؛ الذين تلهيهم الغفلة عن الحق؛ أو يلهيهم ما هم فيه من ترف عن أن يدركوا الحق; لأنهم لا شدائد تنبههم؛ فالشدائد ترهف المدارك؛ وتوقظ الأفهام؛ ولأنهم لا يصبرون على الابتلاء؛ بل يخرون صاغرين أمام أي شدة؛ أو كارثة تكرثهم; ولذا قال: حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون ؛ " إذا " ؛ للمفاجأة؛ والمفاجأة تحول حالهم من استكبار واعتزاز وغفلة إلى صغار وتنبه؛ وضراعة؛ فـ " الجؤار " ؛ مصدر " جأر " ؛ وهو رفع الصوت بالضراعة والاستغاثة. [ ص: 5091 ] و " العذاب " ؛ قيل: هو عذاب الدنيا؛ بكارثة دنيوية؛ أو حرب هازمة لهم؛ والتعبير أخذنا مترفيهم بالعذاب ؛ معناها: أنزلنا بهم العذاب؛ جزاء ما أجرموا؛ وكنى عن ذنوبهم بالعذاب الذي استحقوه بها؛ وقال: " أخذناهم " ؛ كناية عن أنه أخذهم حتى لا يفلتوا منه؛ وشبه إنزاله بهم؛ بأخذهم إليه أخذا مصحوبا بالعذاب الشديد؛ وإنهم إذ يضرعون ويجأرون؛ يفعلون ذلك في وقت غير مناسب; لأنه قد فات وقت الضراعة والاستعانة بالله؛ إذ إن تلك الضراعة كانت وهم في وقت التكليف; ولذا قال (تعالى):

التالي السابق


الخدمات العلمية