صفحة جزء
والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم

* * *

وصف الله سبحانه وتعالى المؤمنين حقا وصدقا بوصفين: الوصف الأول الإيمان بالله تعالى ورسله أجمعين، لا فرق بين رسول ورسول، إذ الجميع يؤدون رسالات ربهم ويبلغونها، والثاني أنهم لم يفرقوا في الإيمان بين رسول ورسول، بل إن الجميع في موضع من نفوسهم، والإيمان من قلوبهم. ذلك أنه حق على المؤمن أن يؤمن بكل رسول أرسله الله تعالى، كما قال تعالى: قولوا آمنا بالله وما أنـزل إلينا وما أنـزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون [البقرة].

فإذا كان محمد خاتم النبيين فرسالته متممة للرسالات، وهو آخر لبنة في صرح النبوة الإلهية.

وإذا كان المؤمنون حقا وصدقا هم الذين يذعنون لما أمر الله، ويصدقون برسالاته، ويستجيبون لدعوة رسول الله وهم يناقضون الذين فرقوا بين رسله، فجزاؤهم لذلك مختلف، ولذا قال سبحانه في هذا الجزاء:

أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفورا رحيما الإشارة هنا إلى الذين آمنوا الموصوفين بالصفات السابقة، وتكرار ذكرهم بالإشارة للتوكيد بأن الإذعان الكامل من غير استعلاء، وجحود، وحقد، وعدم التفرقة بين الأنبياء وهو وحده الذي جعل لهم ذلك الجزاء، والأجر هنا هو الجزاء، وهي رحمة الله تعالى عليهم إذ جعل ذلك [ ص: 1941 ] الثواب المقيم، والنعيم الدائم، جزاء العمل، وهو أكبر من العمل، بل إن الأعمال ذاتها قد يكون فيها هفوات تستوجب الحساب ويتبعه العقاب، ولكن الله تعالى قرر في كتابه الكريم: إن الحسنات يذهبن السيئات [هود].

ولذلك ذيلت الآية بقوله تعالى: وكان الله غفورا رحيما للدلالة على أن ذلك الثواب هو من فضل الله وسعة رحمته، وإن ذلك لأنه متصف بالغفران الدائم والرحمة الدائمة.

وقد أكد الله سبحانه وتعالى الجزاء والثواب بالتعبير بسوف الدالة على تأكيد الفعل في الزمن المستقبل. اللهم اغفر لنا وارحمنا فأنت خير الراحمين.

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية