صفحة جزء
وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينـزل به عليكم سلطانا

الاستفهام هنا للتعجب من المفارقة التي كانت منهم، وهي مفارقة عجيبة يخوفون إبراهيم من أن تصيبه آلهتهم بسوء، ومع ذلك لا يخافون هم من إشراكهم بالله ما لم ينزل به سلطانا، والعجب من ناحيتين: أولاهما: أن أصنامهم لا تملك نفعا ولا ضرا، والله تعالى يملك كل شيء؛ يملك النفع والضر، والإنقاذ من أسباب الضرر.

وثانيتهما: أنهم يخوفون إبراهيم -عليه السلام- ولا سبب للتخويف ولا يخافون، وقد توافر سبب الخوف، وقوله تعالى: ما لم ينـزل به عليكم سلطانا قالوا: السلطان هو الحجة، وقد ورد السلطان بمعنى الحجة في آيات من القرآن الكريم، قال تعالى: إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنـزل الله بها من سلطان

[ ص: 2569 ] و: " ما " دالة على الأصنام التي صنعوها، و: " من سلطان " لاستغراق النفي، أي: ما لم ينزل به سلطانا؛ أي سلطان كان، والتعبير عن الحجة هنا بالسلطان، إشارة أولا إلى أنه لا دليل يسوغ عبادتها، وثانيا أنها: لا قوة لها، ولا سلطان لها، حتى تصيب بسوء أو بنعمة، إنما هي أوهامكم التي جعلت لها تلك الصفة.

وقد رتب الله تعالى على هذه الحال أن قال تعالى: فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون الفاء هنا فاء الإفصاح الذي يفصح عن هذا الشرط المقدر، أي: إذا كنتم تلجئون إلى من لا يضر ولا ينفع، وتحسبون أنه يمس من لا يعتقد به، وإبراهيم يلجأ إلى الله تعالى الذي يملك كل شيء، فأي الفريقين أحق بأن يكون في أمن لا خوف؟ أهو الذي يلجأ إلى الله القادر على كل شيء أم الذي يلجأ في عبادته إلى أصنام لا تضر ولا تنفع; وعلق سبحانه وتعالى الحكم على العلم; لأنه لا حكم من غير علم; ولذا قال سبحانه وتعالى: إن كنتم تعلمون أي: إن كنتم تدركون الأمور على وجهها، ولا تسيطر عليكم الأوهام التي تضل ولا تهدي، وقال في أداة التعليق التي تفيد الشك في العلم، لا اليقين فيه، وإنه لا ريب الحكم واضح بين، وهم الذين يعبدون الله وحده، ولا يلجئون إلا إليه في خوفهم.

ولذا قال تعالى في بيان الفريق الآمن:

التالي السابق


الخدمات العلمية