أسرار التكرار في القرآن

الكرماني - محمود بن حمزة الكرماني

صفحة جزء
[ ص: 201 ] سورة الروم

386 - قوله تعالى : أولم يسيروا في الأرض هنا ، وفي فاطر " 44 " ، وأول المؤمن " 21 " بالواو ، وفي غيرهن بالفاء ؛ لأن ما قبلها في هذه السورة : أولم يتفكروا ، وكذلك بعدها : وأثاروا الأرض بالواو ؛ فوافق ما قبلها وما بعدها . وفي فاطر أيضا وافق ما قبله ما بعده ، فإن قبله : ولن تجد لسنت الله تحويلا ، وبعدها : وما كان الله ليعجزه من شيء ، وكذلك أول المؤمن قبله : والذين يدعون من دونه .

وأما في آخر المؤمن فوافق ما قبله وما بعده وكانا بالفاء ، وهو قوله : فأي آيات الله تنكرون ، وبعده : فما أغنى عنهم .

387 - قوله : كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة ، و من قبلهم متصل بكون آخر مضمر ، وقوله : كانوا أشد منهم قوة إخبار عما كانوا عليه قبل الإهلاك .

وخصت هذه السورة بهذا النسق لما يتصل من الآيات بعده ، وكله إخبار عما كانوا عليه وهو : وأثاروا الأرض وعمروها ، وفي فاطر : كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا بزيادة الواو ؛ لأن التقدير : فينظروا كيف أهلكوا وكانوا أشد منهم قوة .

وخصت هذه السورة به لقوله : وما كان الله ليعجزه من شيء الآية .

وفي المؤمن : كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة . فأظهر " كان " العامل " في " " من قبلهم " ، وزاد " هم " ؛ لأن في هذه السورة وقعت في أوائل قصة نوح ، وهي [ ص: 202 ] تتم في ثلاثين آية ، فكان اللائق البسط ، وفي آخر المؤمن : كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة ، فلم يبسط القول ؛ لأن أول السورة يدل عليه .

388 - قوله : ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا ، وختم الآية بقوله : يتفكرون ؛ لأن الفكر يؤدي إلى الوقوف على المعاني التي خلقن لها ، من التآنس والتجانس ، وسكون كل واحد منهما إلى الآخر .

389 - قوله : ومن آياته خلق السماوات والأرض ، وختم بقوله : للعالمين ؛ لأن الكل تظلهم السماء ، وتقلهم الأرض ، وكل واحد منفرد بلطيفة في صوته يمتاز بها عن غيرها ، حتى لا ترى اثنين في ألف يتشابه صوتاهما ويلتبس كلامهما ، وكذلك ينفرد كل واحد بدقيقة في صورته يتميز بها من بين الأنام ، فلا ترى اثنين يشتبهان ، وهذا يشترك في معرفته الناس جميعا ، فلهذا قال : لآيات للعالمين .

ومن حمل اختلاف الألسن على اللغات ، واختلاف الألوان على السواد والبياض والشقرة والسمرة ، فالاشتراك في معرفتها أيضا ظاهر .

ومن قرأ : " للعالمين " بكسر اللام فقد أحسن ؛ لأن بالعلم يمكن الوصول إلى معرفة ما سبق ذكره .

390 - قوله : ومن آياته منامكم بالليل ، وختم بقوله : يسمعون ؛ فإن من سمع أن النوم من صنع الله الحكيم ، ولا يقدر أحد على اجتلابه إذا امتنع ، ولا على دفعه إذا ورد ، [ ص: 203 ] تيقن أن له صانعا مدبرا .

قال الخطيب : معنى يسمعون ههنا : يستجيبون إلى ما يدعوهم إليه الكتاب .

وختم الآية الرابعة بقوله : يعقلون ؛ لأن العقل ملاك أمر في هذه الأبواب ، وهو المؤدي إلى العلم ، فختم بذكره .

391 - قوله : ومن آياته يريكم ، أي أنه يريكم . وقيل : تقديره : ويريكم من آياته البرق . وقيل : أن يريكم . فلما حذف " أن " سكن الياء . وقيل : من آياته كلام كاف ، كما تقول : منها كذا ، ومنها كذا ، ومنها وتسكت تريد الكثرة .

392 - قوله : أولم يروا أن الله يبسط الرزق ، وفي الزمر : أولم يعلموا ؛ لأن بسط الرزق مما يشاهد ويرى ، فجاء في هذه السورة على ما يقتضيه اللفظ والمعنى ، وفي الزمر اتصل بقوله : أوتيته على علم ، وبعده : ولكن أكثرهم لا يعلمون ، فحسن : أولم يعلموا .

393 - قوله : ولتجري الفلك بأمره ، وفي الجاثية : فيه بأمره ؛ لأن في هذه السورة تقدم ذكر الرياح وهو قوله : أن يرسل الرياح مبشرات بالمطر وإذاقة الرحمة ، لتجري الفلك بالرياح بأمر الله تعالى ، ولم يتقدم ذكر البحر .

وفي الجاثية تقدم ذكر البحر وهو قوله : الله الذي سخر لكم البحر ، فكنى عنه فقال : لتجري الفلك فيه بأمره .

التالي السابق


الخدمات العلمية