الناسخ والمنسوخ للقاسم بن سلام

الهروي - أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي

صفحة جزء
[ ص: 144 ] باب : الشهادات وما جاء فيها

قال أبو عبيد : اختلف العلماء في نسخ أشياء من الشهادات التي في التنزيل ، منها الشهادة على البيع وشهادة القاذف وشهادة أهل الكتاب على وصايا المسلمين .

262 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج ، عن ابن جريج في قوله : وأشهدوا إذا تبايعتم قال : سئل عطاء : أيشهد الرجل إذا بايع بنصف درهم ، فقال : " نعم هو تأويل قوله : وأشهدوا إذا تبايعتم

263 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا هشيم ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، قال : " تشهد ولو على دستجة بقل

[ ص: 145 ]

264 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد ، عن ابن عمر ، أنه " كان إذا باع أشهد ولم يكتب .

قال أبو عبيد : " هذا مذهب من رأى أن الآية محكمة وهي عند آخرين منسوخة "

265 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا ابن أبي زائدة ، عن العلاء بن المسيب ، عن الحكم بن عتيبة في قوله : فإن أمن بعضكم بعضا قال : " نسخت هذه الآية آية الشهادة

266 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، عن داود بن أبي هند ، عن الشعبي في قوله : فإن أمن بعضكم بعضا قال : " إن أشهدت فحزم أو كلمة تشبهها ، وإن تركت ففي حل وفي سعة .

[ ص: 146 ]

267 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا هشيم ، عن إسماعيل بن أبي خالد قال : سألت الشعبي عنها " فتلا علي هذه الآية : فإن أمن بعضكم بعضا

268 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا هشيم قال : أخبرنا سليمان التيمي قال : سألت الحسن عنها ، فقال : " إن شاء أشهد ، وإن شاء لم يشهد ، ألا تسمع قوله : فإن أمن بعضكم بعضا .

قال أبو عبيد : " والعلماء اليوم من أهل الحجاز وأهل العراق وغيرهم على هذا القول ، أن شهادة المبايعة ليست بحتم على الناس إلا أن يشاءوا للآية الناسخة بعدها ، وهو قوله عز وجل : فإن أمن بعضكم بعضا ويرون أن البيعين مخيران في الشهادة والترك ، فهذا ما في نسخ شهادة البيوع "

[ ص: 147 ]

269 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: وحدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، وعثمان بن عطاء ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس ، في قول الله عز وجل : والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون قال : ثم استثنى ، فقال : إلا الذين تابوا قال : " فتاب عليهم من الفسق فأما الشهادة فلا تجوز

270 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا جرير ، عن منصور ، عن تميم بن سلمة قال : جاء ناس يشهدون عند شريح فيهم رجلا قد جلد في قذف ، فقال له شريح : " يا فلان قم فقد عرفناك

271 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا هشيم قال : أخبرنا الشيباني ، عن الشعبي ، عن شريح قال : " لا تقبل شهادة القاذف أبدا ، [ ص: 148 ] توبته فيما بينه وبين الله عز وجل .

272 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا هشيم قال : أخبرنا يونس ، عن الحسن ، ومغيرة ، عن إبراهيم ، أنهما قالا مثل ذلك .

273 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا محمد بن كثير ، عن حماد بن سلمة ، عن قتادة ، عن الحسن ، وسعيد بن المسيب ، أنهما قالا مثل ذلك .

274 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا الهيثم بن جميل ، عن شريك ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير مثل ذلك .

[ ص: 149 ] قال أبو عبيد : " فهذا قول من رأى التوبة إنما نسخت الفسق وحده ، وقال آخرون : إنما نسخت الفسق وإسقاط الشهادة معا "

275 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الله بن صالح ، عن معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون قال : ثم قال : إلا الذين تابوا قال : " فمن تاب وأصلح ، فشهادته في كتاب الله عز وجل تقبل

276 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا ابن أبي مريم ، عن محمد بن مسلم الطائفي ، عن إبراهيم بن ميسرة ، عن سعيد بن المسيب ، أن عمر : " استتاب الذين شهدوا على فلان ، فتاب اثنان وأبى أبو بكرة أن يتوب ، فكانت شهادتهما تقبل وكان أبو بكرة لا تقبل شهادته

[ ص: 150 ]

277 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الله بن صالح ، عن الليث ، قال : حدثني ابن شهاب ، أن عمر : " استتاب أبا بكرة فيما قذف به فلانا ، فأبى أن يتوب وزعم أن ما قال حق ، وأقام على ذلك فلم يكن تجوز له شهادة . قال : قال ابن شهاب : " فأما من تاب واعترف فإن شهادته تقبل "

278 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا الفرج بن فضالة ، عن محمد بن الوليد الزبيدي ، عن الزهري قال : " إذا أكذب نفسه فهي توبته وتقبل شهادته

[ ص: 151 ]

279 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا ابن أبي مريم ، عن ابن لهيعة ، عن خالد بن أبي عمران ، أنه سأل القاسم بن محمد ، وسالم بن عبد الله عن ذلك ، فقالا : " نكره شهادته ما لم تر منه توبة

280 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان ، عن أبي الهيثم قال : سمعت إبراهيم ، والشعبي ، يتذاكران شهادة القاذف ، فقال : الشعبي ، لإبراهيم : لم لا تقبل شهادته ؟ قال : " لأني لا أدري أتاب أم لا

281 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا يزيد ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي قال : " إذا تاب قبلت شهادته ، يقبل الله منه ولا تقبلون شهادته ؟ " قال : " وقال محارب بن دثار : تجوز شهادته

[ ص: 152 ]

282 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا محمد بن يزيد ، عن العوام بن حوشب ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن ابن عمر ، عن عبد الله بن عتبة ، أنه " أجاز شهادة المفتري

283 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا يحيى بن بكير قال : " إذا أكذب نفسه وتاب مما قال فشهادته جائزة

284 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، عن ابن أبي نجيح قال : " إذا تاب القاذف تجوز شهادته . قال : وقال : كلنا نقوله قال إسماعيل : قلنا من ؟ أو قيل من ؟ فقال : عطاء ، وطاوس ، ومجاهد

[ ص: 153 ]

285 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا يحيى بن بكير ، عن مسعر بن كدام ، عن عمران بن عمير ، عن عبد الله بن عتبة ، أنه : " أجاز شهادة المفتري

286 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا أبو معاوية ، عن مسعر بن كدام ، عن عمران بن عمير ، عن عبد الله بن عتبة ، أنه " أجاز شهادة القاذف

287 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا يحيى بن بكير ، عن مالك بن أنس ، أنه كان يقول مثل ذلك " يرى شهادته جائزة إذا تاب .

قال أبو عبيد : " وهذا قول أهل الحجاز جميعا ، وأما أهل العراق ، فيرون شهادته غير مقبولة أبدا وإن تاب ، وكلا الفريقين إنما تأول فيما نرى الآية ، فالذي لا يقبلها يذهب إلى أن الكلام انقطع من عند قوله : ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا ثم استأنف ، فقال : وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا ، فأوقع التوبة على الفسق خاصة دون الشهادة ، وأما الآخرون ، فذهبوا إلى أن الكلام بعضه معطوف على بعض ، فقال : ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون ثم أوقعوا الاستثناء في التوبة على كل الكلام ورأوا أنه منتظم له.

قال أبو عبيد : والذي يختار هذا القول ؛ لأن من قال به أكثر وأعلى ، منهم

[ ص: 154 ] عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فمن وراءه ، مع أنه في النظر على هذا أصح ، ولا يكون المتكلم بالفاحشة أعظم جرما من راكبها ، ألا ترى أنهم لا يختلفون في العاهر أنه مقبول الشهادة إذا تاب ، فراميه بها أيسر جرما إذا نزع عما قال وأكذب نفسه ؛ لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، وإذا قبل الله عز وجل التوبة من عبده كان العباد بالقبول أولى ، مع أن مثل هذا الاستثناء موجود في مواضع من القرآن ، من ذلك قوله عز وجل : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ثم قال بعد ذلك : إلا الذين تابوا فليس يختلف المسلمون أن هذا الاستثناء ناسخ للآية من أولها وأن التوبة لهؤلاء جميعا بمنزلة واحدة ، وكذلك قوله عز وجل في الطهور حين قال : يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا ثم قال : وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فصار التيمم لاحقا بمن وجب عليه الاغتسال ، كما لحق من وجب عليه الوضوء في سنة النبي صلى الله عليه وسلم حين أمر عمارا وأبا ذر بذلك ، وعلى هذا المعنى تأول من رأى شهادة القاذف جائزة ؛ لأنه كلام واحد بعضه معطوف على بعض وبعضه تابع بعضا ، ثم انتظمه الاستثناء وأحاط به

التالي السابق


الخدمات العلمية