صفحة جزء
[ ص: 445 ] 7- باب: ذكر الآيات اللواتي ادعي عليهن النسخ في سورة الأنفال

ذكر الآية الأولى: قوله تعالى: يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول اختلف العلماء في هذه الآية ، فقال بعضهم هي ناسخة من وجه ومنسوخة من وجه ، وذلك أن الغنائم كانت حراما في شرائع الأنبياء المتقدمين ، فنسخ الله ذلك بهذه الآية وجعل الأمر في الغنائم إلى ما يراه الرسول صلى الله عليه وسلم ، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه .

" أخبرنا إسماعيل بن أحمد ، قال: أبنا عمر بن عبيد الله ، قال: أبنا ابن بشران ، قال: أبنا إسحاق بن أحمد ، قال: أبنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال: حدثني أبي ، قال: أبنا وكيع ، قال: أبنا إسرائيل ، عن جابر ، عن مجاهد ، وعكرمة ، قالا: " كانت الأنفال لله فنسخها واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول " .

هذا قول السدي .

وقال آخرون المراد بالأنفال شيئان: [ ص: 446 ] أحدهما: ما يجعله النبي صلى الله عليه وسلم لطائفة من شجعان العسكر ومقدميه ، يستخرج به نصحهم ويحرضهم على القتال .

والثاني: ما يفضل من الغنائم بعد قسمتها ، كما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما ، قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فغنمنا إبلا ، فأصاب كل واحد اثني عشر بعيرا ، ونفلنا بعيرا بعيرا ، فعلى هذا هي محكمة ، لأن هذا الحكم باق إلى وقتنا هذا ، والعجب ممن يدعي أنها منسوخة فإن عامة ما تضمنت أن الأنفال لله والرسول ، والمعنى: أنهما يحكمان فيها وقد وقع الحكم فيها بما تضمنته آية الخمس ، وإن أريد أن الأمر بنفل الجيش ما أراد ، فهذا حكم باق ، فلا يتوجه النسخ بحال ، ولا يجوز أن يقال عن آية أنها منسوخة إلا أن يرفع حكمها وحكم هذه ما رفع ، فكيف يدعى النسخ ؟ وقد ذهب إلى نحو ما ذكرته أبو جعفر بن جرير الطبري ذكر الآية الثانية: قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال [ ص: 447 ] وقد ذهب قوم ، منهم ابن عباس ، وأبو سعيد الخدري ، والحسن ، وابن جبير ، وقتادة والضحاك إلى أنها في أهل بدر خاصة .

" أخبرنا إسماعيل بن أحمد ، قال: أبنا عمر بن عبيد الله ، قال: أبنا ابن بشران ، قال: أبنا إسحاق بن أحمد ، قال: بنا عبد الله بن أحمد ، قال: حدثني أبي ، قال: أبنا محمد بن جعفر ، قال: أبنا شعبة ، عن داود ، قال: سمعت الشعبي ، يحدث عن أبي سعيد الخدري : " ومن يولهم يومئذ دبره ، قال: نزلت في يوم بدر قال أحمد : وبنا روح ، قال: بنا حبيب بن الشهيد ، عن الحسن " ومن يولهم يومئذ دبره ، قال: نزلت في أهل بدر " قال أحمد : وأبنا روح ، قال: أبنا شعبة ، عن الحسن ، قال: " إنما شدد على أهل بدر قال أحمد : وأبنا حسين ، قال: أبنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن عكرمة " ومن يولهم يومئذ دبره ، قال: يوم بدر .

[ ص: 448 ] قلت: لفظ الآية عام ، وإن كانت نزلت في قوم بأعيانهم ، وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنه ، وغيره أنها عامة ، ثم لهؤلاء فيه قولان: أحدهما: أنها منسوخة بقوله: فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين فليس للمؤمنين أن يفروا عن مثليهم .

قال آخرون: هي محكمة ، وهذا هو الصحيح ، لأنها محكمة في النهي عن الفرار ، فيحمل النهي على ما إذا كان العدو أعلى من عدد المسلمين ، وقد ذهب إلى نحو هذا ابن جرير .

ذكر الآية الثالثة: قوله تعالى: وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم .

[ ص: 449 ] " أخبرنا ابن ناصر ، قال: أبنا ابن أيوب ، قال: أبنا ابن شاذان ، قال: أبنا أبو بكر النجاد ، قال: أبنا أبو داود السجستاني ، قال: أبنا أحمد بن محمد ، قال: أبنا علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم نسختها الآية التي بعدها وما لهم ألا يعذبهم الله .

وقد روي مثله عن الحسن ، وعكرمة وهذا القول ليس بصحيح ، لأن النسخ لا يدخل على الأخبار ، وهذه الآية بينت أن كون الرسول فيهم منع نزول العذاب بهم ، وكون المؤمنين يستغفرون بينهم منع أيضا ، والآية التي تليها بينت استحقاقهم العذاب لصدهم عن سبيل الله ، غير أن كون الرسول والمؤمنين بينهم منع من تعجيل ذلك ، أو عمومه ، فالعجب من مدعي النسخ ذكر الآية الرابعة: قوله تعالى: وإن جنحوا للسلم فاجنح لها [ ص: 450 ] اختلف المفسرون فيمن عني بهذه الآية على قولين: أحدهما: أنهم المشركون ، وأنها نسخت بآية السيف ، وبعضهم يقول: بقوله: قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله وهذا مروي عن ابن عباس ، والحسن ، وعكرمة ، وقتادة في آخرين .

" أخبرنا إسماعيل بن أحمد ، قال: أبنا عمر بن عبيد الله ، قال: أبنا ابن بشران ، قال: أبنا إسحاق بن أحمد ، قال: أبنا عبد الله بن أحمد ، قال: حدثني أبي ، قال: أبنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس رضي الله عنهما " وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله فنسختها قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله الآية وأخبرنا ابن ناصر ، قال: أبنا ابن أيوب ، قال: أبنا ابن شاذان ، قال: أبنا أبو بكر النجاد ، قال: أبنا أبو داود السجستاني ، قال: أبنا أحمد بن محمد ، قال: أبنا علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما " وإن جنحوا للسلم فاجنح لها نسختها [ ص: 451 ] قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله قال أحمد بن محمد ، وأبنا موسى بن مسعود ، عن شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " وإن جنحوا للسلم فاجنح لها نسختها فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم والثاني: أنهم أهل الكتاب ، وقال مجاهد بنو قريظة .

" أخبرنا عبد الوهاب ، قال: أبنا أبو طاهر ، قال: أبنا شاذان ، قال: أبنا عبد الرحيم ، قال: أبنا إبراهيم ، قال: أبنا آدم ، قال: أبنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " وإن جنحوا للسلم يعني: قريظة فعلى هذا القول إن قلنا إنها نزلت في ترك حرب أهل الكتاب إذا بذلوا الجزية ، وقاموا بشرط الذمة فهي محكمة ، وإن قيل: نزلت في موادعتهم على غير جزية توجه النسخ لها بآية الجزية وهي قوله تعالى: قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله الآية .

[ ص: 452 ] ذكر الآية الخامسة: قوله تعالى: إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين ، قال المفسرون: لفظ هذا الكلام لفظ الخبر ، ومعناه الأمر والمراد: يقاتلوا مائتين ، وكان هذا فرضا في أول الأمر ثم نسخ بقوله تعالى: الآن خفف الله عنكم ، ففرض على الرجل أن يثبت لرجلين فإن زاد جاز له الفرار .

" أخبرنا يحيى بن ثابت بن بندار ، قال: أنبأنا أبي، قال: أبنا أبو بكر البرقاني ، قال: أبنا أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي ، قال: أخبرني الحسن ، قال: أبنا حيان ، قال: أبنا عبد الله ، قال: أبنا جرير بن حازم ، قال: سمعت الزبير بن الخريت ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، في قوله عز وجل: [ ص: 453 ] " إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين ، قال: فرض عليهم أن لا يفر رجل من عشرة ، ولا قوم من عشرة أمثالهم ، قال: فجهد الناس ذلك وشق عليهم فنزلت الآية الأخرى: الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة الآية ، فرض عليهم أن لا يفر رجل من رجلين ، ولا قوم من مثليهم ، ونقص من الصبر بقدر ما خفف من العدد أخبرنا إسماعيل بن أحمد ، قال: أبنا عمر بن عبيد الله ، قال: أبنا ابن بشران ، قال: أبنا إسحاق بن أحمد ، قال: أبنا عبد الله بن أحمد ، قال: حدثني أبي، قال: أبنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس رضي الله عنهما " إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين فنسختها الآن خفف الله عنكم أخبرنا ابن ناصر ، قال: أبنا ابن أيوب ، قال: أبنا ابن شاذان ، قال: أبنا أبو بكر النجاد ، قال: أبنا أبو داود السجستاني ، قال: أبنا أحمد بن محمد ، قال: أبنا علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس " إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين نسخ ، فقال: الآن خفف الله عنكم [ ص: 454 ] أخبرنا ابن الحصين ، قال: أبنا ابن غيلان ، قال: أبنا أبو بكر الشافعي ، قال: أبنا إسحاق بن الحسن ، قال: أبنا أبو حذيفة ، قال: أبنا سفيان الثوري ، عن ليث ، عن عطاء " إن يكن منكم عشرون صابرون ، قال: كان لا ينبغي لواحد أن يفر من عشرة فخفف الله عنهم أخبرنا عبد الوهاب الحافظ ، قال: أبنا أبو طاهر الباقلاوي ، قال: أبنا أبو علي بن شاذان ، قال: أبنا عبد الرحمن بن الحسن ، قال: أبنا إبراهيم بن الحسين ، قال: أبنا آدم ، قال: أبنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال: " كان قد جعل على أصحاب محمد يوم بدر على كل رجل منهم قتال عشرة من الكفار ، فضجوا من ذلك فجعل على كل رجل قتال رجلين ، فنزل التخفيف من الله عز وجل ، فقال: الآن خفف الله عنكم قال أبو جعفر النحاس : وهذا تخفيف لا نسخ ، لأن معنى النسخ رفع حكم المنسوخ ، ولم يرفع حكم الأول لأنه لم يقل فيه لا يقاتل الرجل عشرة ، بل إن قدر على ذلك فهو الاختيار له ، ونظير هذا إفطار الصائم في السفر ، لا يقال إنه نسخ الصوم وإنما هو تخفيف ورخصة والصيام له أفضل .

[ ص: 455 ] ذكر الآية السادسة: قوله تعالى: ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ، روي عن ابن عباس ، ومجاهد في آخرين أن هذه الآية منسوخة ، بقوله: فإما منا بعد وإما فداء ، وليس للنسخ وجه لأن غزاة بدر كانت وفي المسلمين قلة ، فلما كثروا واشتد سلطانهم نزلت الآية الأخرى ، ويبين هذا قوله: حتى يثخن في الأرض ، [ ص: 456 ] قال أبو جعفر النحاس : ليس ههنا ناسخ ولا منسوخ ، لأنه قال عز وجل: ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ، فلما أثخن في الأرض كان له أسرى .

ذكر الآية السابعة: قوله تعالى: إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا ، قال المفسرون: كانوا يتوارثون بالهجرة ، وكان المؤمن الذي لا يهاجر لا يرث قريبه المهاجر وذلك معنى قوله: ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا .

" أخبرنا عبد الوهاب الحافظ ، قال: أبنا أبو الفضل بن خيرون ، وأبو طاهر الباقلاوي ، قالا: أبنا أبو علي بن شاذان ، قال: أبنا أحمد بن كامل ، قال: حدثني محمد بن سعد العوفي ، قال: أبنا أبي ، قال: حدثني عمي ، عن أبيه ، عن جده ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال: " كان المؤمنون على [ ص: 457 ] عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثلاثة منازل: منهم المؤمن المهاجر المرافق لقومه في الهجرة ، خرج إلى قوم مؤمنين في ديارهم وعقارهم وأموالهم ، وفي قوله: والذين آووا ونصروا وأعلنوا ما أعلن أهل الهجرة ، وشهروا السيوف على من كذب وجحد فهذان مؤمنان ، وكانوا يتوارثون إذا توفي المؤمن المهاجر بالولاية في الدين ، وكان الذي آمن ولم يهاجر لا يرث من أجل أنه لم يهاجر ، ثم ألحق كل ذي رحم برحمه أخبرنا المبارك بن علي ، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريش ، قال: أبنا إبراهيم بن عمر البرمكي ، قال: أبنا محمد بن إسماعيل بن العباس ، قال: أبنا أبو بكر بن أبي داود ، قال: أبنا محمد بن قهزاذ ، قال: أبنا علي بن الحسين بن واقد ، قال: حدثني أبي ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن ابن [ ص: 458 ] عباس رضي الله عنهما: " والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا ، قال: وكان الأعرابي لا يرث المهاجر ، ولا يرثه المهاجر ، فنسخها ، فقال: وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض الآية أخبرنا إسماعيل بن أحمد ، قال: أبنا عمر بن عبيد الله ، 94 قال: أبنا ابن بشران ، قال: أبنا إسحاق بن أحمد الكاذي ، قال: أبنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال: حدثني أبي ، قال: أبنا أبو سعيد مولى بني هاشم ، قال: أبنا عمر بن فروخ ، قال: أبنا حبيب بن الزبير ، عن عكرمة " والذين آمنوا ولم يهاجروا ، قال: لبث الناس برهة ، والأعرابي لا يرث المهاجر ، والمهاجر لا يرث الأعرابي حتى فتحت مكة ، ودخل الناس في الدين فأنزل الله وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله .

وقال الحسن : كان الأعرابي لا يرث المهاجر ، ولا يرثه المهاجر فنسخها وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض [ ص: 459 ] ، وقد ذهب قوم إلى أن المراد بقوله: ما لكم من ولايتهم من شيء ، ولاية النصرة والمودة ، قالوا: ثم نسخ هذا بقوله: والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ، وأما قوله: وإن استنصروكم في الدين ، فقال المفسرون: إن استنصركم المؤمنون الذين لم يهاجروا فانصروهم إلا أن يستنصروكم على قوم بينكم وبينهم عهد ، فلا تغدروا بأهل العهد .

وذهب بعضهم إلى أن الإشارة إلى أحياء من كفار العرب كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم موادعة ، فكان إن احتاج إليهم عاونوه ، وإن احتاجوا عاونهم فنسخ ذلك بآية السيف .

[ ص: 460 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية