صفحة جزء
[ ص: 578 ] 41- باب: ذكر ما ادعي عليه النسخ في سورة الأحقاف

ذكر الآية الأولى: قوله تعالى: وما أدري ما يفعل بي ولا بكم .

اختلف المفسرون في هذا على قولين: أحدهما: أنه راجع إلى الدنيا ، ثم لهؤلاء فيه قولان: أحدهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في المنام أنه يهاجر إلى أرض ذات نخل وشجر وماء ، فقصها على أصحابه ثم مكثوا برهة لا يرون ذلك ، فقالوا: يا رسول الله ، متى نهاجر ؟ ، فسكت ، فنزلت هذه الآية ومعناها: لا أدري أخرج إلى الموضع الذي رأيته في منامي أم لا ، رواه أبو صالح ، عن ابن عباس رضي الله عنهما .

قال عطية : ما أدري هل يتركني بمكة أو يخرجني منها .

والثاني: ما أدري هل أخرج كما أخرج الأنبياء قبلي ، أو أقتل كما قتلوا ، أو لا أدري ما يفعل بكم ، أتعذبون أم تؤجرون ، أتصدقون أم تكذبون ، قاله الحسن .

[ ص: 579 ] والقول الثاني أنه راجع إلى الآخرة .

" أخبرنا المبارك بن علي ، قال: أبنا أحمد بن الحسين ، قال: أبنا البرمكي ، قال: أبنا محمد بن إسماعيل ، أبنا أبو بكر بن أبي داود ، قال: بنا يعقوب بن سفيان ، قال: بنا أبو صالح ، قال: حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما " وما أدري ما يفعل بي ولا بكم فأنزل الله بعدها ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، وقال: ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات ، فأعلمه ما يفعل به وبالمؤمنين .

وممن ذهب إلى نحو هذا: أنس ، وعكرمة ، وقتادة ، وقد زعم قوم أن هذا من الناسخ والمنسوخ ، فروى الضحاك ، عن ابن عباس ، قال: نسختها إنا فتحنا لك فتحا مبينا الآية وأخبرنا المبارك بن علي ، قال: أبنا أحمد بن الحسين ، قال: أبنا البرمكي ، قال: أبنا محمد بن إسماعيل ، قال: أبنا أبو بكر بن أبي داود ، قال: [ ص: 580 ] بنا محمد بن قهزاذ ، قال: حدثني علي بن الحسين بن واقد ، قال: حدثني أبي ، وأبنا محمد بن أبي منصور ، قال: أبنا علي بن أيوب ، قال: أبنا أبو علي بن شاذان ، قال: أبنا أبو بكر النجاد ، قال: أبنا أحمد بن محمد ، عن علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما " وما أدري ما يفعل بي ولا بكم نسختها الآية التي في الفتح ، فخرج إلى الناس ، فبشرهم بالذي غفر له ، وما تقدم من ذنبه وما تأخر ، فقال رجل من المؤمنين: هنيئا لك يا نبي الله ، قد علمنا الآن ما يفعل بك فماذا يفعل بنا ؟ ، فأنزل الله في سورة الأحزاب وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا ، وقال: ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار .

قلت: والقول بنسخها لا يصح لأنه إذا خفي عليه علم شيء ثم أعلم به لم يدخل ذلك في ناسخ ولا منسوخ ، وقال النحاس : محال أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم للمشركين ما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الآخرة ، ولم يزل يخبر أن من مات على الكفر يخلد في النار ، ومن مات على الإيمان [ ص: 581 ] فهو في الجنة ، فقد درى ما يفعل به وبهم في الآخرة ، والصحيح في معنى الآية ، قول الحسن : وما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الدنيا .

ذكر الآية الثانية: قوله تعالى: فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل زعم بعضهم أنها نسخت بآية السيف ، ولا يصح له هذا إلا أن يكون المعنى فاصبر عن قتالهم ، وسياق الآيات يدل على غير ذلك ، قال بعض المفسرين: كأنه ضجر من قومه ، فأحب أن ينزل العذاب بمن أبى منهم فأمر بالصبر .

[ ص: 582 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية