صفحة جزء
[ ص: 603 ] 50- باب: ذكر ما ادعي عليهن النسخ من سورة الممتحنة

ذكر الآية الأولى والثانية: قوله تعالى: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين الآية ، وقوله: إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين الآية ، زعم قوم أن هذا عام في جميع الكفار ، وأنه منسوخ بآية السيف .

أخبرنا ابن ناصر ، قال: أبنا ابن أيوب ، قال: أبنا ابن شاذان ، قال: أبنا أبو بكر النجاد ، قال: أبنا أبو داود ، قال: أبنا محمد بن عبيد ، قال: أبنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ، قال: نسختها: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم .

وقال غيره: معنى الآيتين منسوخ بآية السيف ، قال أبو جعفر بن جرير الطبري : لا وجه لادعاء النسخ ، لأن بر المؤمنين للمحاربين سواء كانوا قرابة أو غير قرابة ، غير محرم إذا لم يكن في ذلك تقوية لهم على الحرب بكراع أو سلاح ، أو دلالة لهم على عورة [ ص: 604 ] أهل الإسلام ، ويدل على ذلك حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها لما قدمت عليها أمها قتيلة بنت عبد العزى المدينة بهدايا ، فلم تقبل هداياها ولم تدخلها منزلها ، فسألت لها عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية ، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تدخلها منزلها وتقبل هديتها وتكرمها وتحسن إليها .

ذكر الآية الثالثة والرابعة: قوله تعالى: إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الآية ، وقوله: وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم الآية ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صالح مشركي مكة عام الحديبية ، على أن من أتاه من أهل مكة رده إليهم ، ومن أتى أهل مكة من أصحابه فهو لهم ، وكتبوا بذلك [ ص: 605 ] الكتاب فجاءت امرأة بعد الفراغ من الكتاب ، وفي تلك المرأة ثلاثة أقوال: أحدها: أم كلثوم بنت عقبة .

والثاني: سبيعة بنت الحارث .

والثالث: أميمة بنت بشر فنزلت فامتحنوهن وفيما كان يمتحنهن به ثلاثة أقوال: أحدها: الإقرار بالإسلام .

والثاني: الاستحلاف لهن: ما خرجن من بغض زوج ، ولا رغبة عن أرض ، ولا التماس دنيا ، وما خرجن إلا حبا لله ولرسوله .

والثالث: الشروط المذكورة في قوله: إذا جاءك المؤمنات يبايعنك ، فإذا أقررن بذلك لم يردهن إليهن ، واختلف العلماء ، هل دخل رد النساء إليهم في عقد الهدنة لفظا أو عموما ؟ ، [ ص: 606 ] فقالت طائفة: قد كان شرط ردهن في عقد الهدنة بلفظ صريح ، فنسخ الله تعالى ردهن من العقد وأبقاه في الرجال .

وقالت طائفة: لم يشرطه صريحا بل كان ظاهر العموم اشتمال العقد عليهن مع الرجال ، فبين الله عز وجل خروجهن عن عمومه ، وفرق بينهن وبين الرجال ، لأمرين: أحدهما: أنهن ذوات فروج تحرمن عليهم .

والثاني: أنهن أرق قلوبا وأسرع تقلبا .

فأما المقيمة على شركها فمردودة عليهم ، وقال القاضي أبو يعلى : إنما لم يرد النساء عليهم لأن النسخ جائز بعد التمكن من الفعل ، وإن لم يقع الفعل فأما قوله: وآتوهم ، يعني أزواجهن الكفار ، ما أنفقوا ، يعني: المهر ، وهذا إذا تزوجها مسلم ، فإن لم يتزوجها أحد ، فليس لزوجها الكافر شيء ، والأجور: المهور ولا تمسكوا بعصم الكوافر .

وقد زعم بعضهم: أنه منسوخ بقوله: والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب وليس هذا بشيء ، لأن المراد بالكوافر الوثنيات ، ثم لو [ ص: 607 ] قلنا إنها عامة كانت إباحة الكتابيات تخصيصا لها لا نسخا كما بينا في قوله: ولا تنكحوا المشركات وقوله: واسألوا ما أنفقتم أي: إن لحقت امرأة منكم بأهل العهد من الكفار مرتدة فاسألوهم ما أنفقتم من المهر إذا لم يدفعوها إليكم ، وليسألوا يعني المشركين الذين لحقت أزواجهم بكم مؤمنات إذا تزوجن منكم ، من تزوجهن ما أنفقوا وهو المهر ، والمعنى عليكم أن تغرموا لهم الصدقات كما يغرمون لكم وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم أي: أصبتموهم في القتال بعقوبة حتى غنمتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا أي: أعطوا الأزواج من رأس الغنيمة ما أنفقوا من المهر .

[ ص: 608 ] " أخبرنا إسماعيل بن أحمد ، قال: أبنا عمر بن عبيد الله ، قال: أبنا ابن شاذان ، قال: أبنا إسحاق بن أحمد ، قال: أبنا عبد الله بن أحمد ، قال: حدثني أبي ، قال: أبنا عبد الوهاب ، عن سعيد ، عن قتادة ، قال: " كن إذا فررن من المشركين الذين بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد ، إلى أصحاب نبي الله ، فتزوجوهن ، بعثوا بصداقهن إلى أزواجهن من المشركين الذين بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد ، فإذا فررن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكفار ليس بينهم وبين نبي الله صلى الله عليه وسلم عهد ، فتزوجوهن فأصاب المسلمون غنيمة ، أعطي زوجها من جميع الغنيمة ثم اقتسموا بعد ذلك ، ثم نسخ هذا الحكم ، ونبذ إلى كل ذي عهد عهده ، وأمر بقتال المشركين كافة قال أحمد : وأبنا أسود بن عامر ، قال: أبنا إسرائيل ، عن المغيرة ، عن إبراهيم في قوله: " واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا ، قال: هؤلاء قوم كان بينهم وبين المسلمين صلح ، فإذا خرجت امرأة من المسلمين إليهم أعطوا زوجها ما أنفق، وإذا خرجت امرأة من المسركين إلى المسلمين أعطوا زوجها ما أنفق .

قال القاضي أبو يعلى : وهذه الأحكام من أداء [ ص: 609 ] المهر ، وأخذه من الكفار وتعويض الزوج من الغنيمة ، أو من صداق ، قد وجب رده على أهل الحرب منسوخة عند جماعة من أهل العلم ، وقد نص أحمد بن حنبل على هذا وكذلك ، قال مقاتل بن سليمان : كل هؤلاء الآيات نسختها آية السيف .

التالي السابق


الخدمات العلمية