صفحة جزء
كتاب الصوم [ ص: 301 ] قال رحمه الله ( الصوم ضربان : واجب ونفل ، والواجب ضربان : منه ما يتعلق بزمان بعينه كصوم رمضان والنذر المعين فيجوز صومه بنية من الليل وإن لم ينو حتى أصبح أجزأه النية ما بينه وبين الزوال )

وقال الشافعي : لا يجزيه . اعلم أن صوم رمضان فريضة لقوله تعالى { كتب عليكم الصيام } وعلى فرضيته انعقد الإجماع ولهذا يكفر جاحده ، والمنذور واجب لقوله تعالى { وليوفوا نذورهم } [ ص: 302 ] وسبب الأول الشهر ولهذا يضاف إليه ويتكرر بتكرره وكل يوم سبب لوجوب صومه ، [ ص: 303 ] وسبب الثاني النذر


كتاب الصوم

هذا ثالث أركان الإسلام بعد لا إله إلا الله محمد رسول الله ، شرعه سبحانه لفوائد أعظمها كونه موجبا شيئين : أحدهما عن الآخر سكون النفس الأمارة ، وكسر سورتها في الفضول المتعلقة بجميع الجوارح من العين واللسان والأذن والفرج ، فإن به تضعف حركتها في محسوساتها ، ولذا قيل : إذا جاعت النفس شبعت جميع الأعضاء وإذا شبعت جاعت كلها ، وما عن هذا صفاء القلب من الكدر ، فإن الموجب لكدوراته فضول اللسان [ ص: 301 ] والعين وباقيها ، وبصفائه تناط المصالح والدرجات ، ومنها : كونه موجبا للرحمة والعطف على المساكين فإنه لما ذاق ألم الجوع في بعض الأوقات ذكر من هذا في عموم الأوقات فتسارع إليه الرقة عليه ، والرحمة حقيقتها في حق الإنسان نوع ألم باطن فيسارع لدفعه عنه بالإحسان إليه فينال ما عند الله تعالى من حسن الجزاء . ومنها موافقة الفقراء بتحمل ما يتحملون أحيانا وفي ذلك رفع حاله عند الله تعالى ، كما حكى بشر الحافي أنه دخل عليه رجل في الشتاء فوجده جالسا يرعد وثوبه معلق على المشجب . فقال له : في مثل هذا الوقت ينزع الثوب ؟ ومعناه ، فقال : يا أخي الفقراء كثير ، وليس لي طاقة مواساتهم بالثياب فأواسيهم بتحمل البرد كما يتحملون .

والصوم لغة : الإمساك مطلقا ، صام عن الكلام وغيره ، قال النابغة : [ ص: 302 ]

خيل صيام وخيل غير صائمة تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما



وفي الشرع : إمساك عن الجماع ، وعن إدخال شيء بطنا له حكم الباطن من الفجر إلى الغروب عن نية ، وذكرنا البطن ووصفناه لأنه لو أوصل إلى باطن دماغه شيئا فسد وإلى باطن فمه وأنفه لا يفسد ،

وسيأتي الكلام في تعريف القدوري ، وذلك الإمساك ركنه وسببه مختلف ، ففي المنذور النذر ، ولذا قلنا : لو نذر صوم شهر بعينه كرجب ، أو يوم بعينه ، فصام عنه جمادى ويوما آخر أجزأ عن المنذور ، لأنه تعجيل بعد وجود السبب ويلغو تعيين اليوم لأن صحة النذر ولزومه عما به يكون المنذور عبادة إذ لا نذر بغيرها ، والمتحقق لذلك الصوم لا خصوص الزمان ولا باعتباره ، وسبب صوم الكفارات أسبابها من الحنث والقتل ، وسبب القضاء هو سبب وجود الأداء ، وسبب رمضان شهود جزء من الشهر ليله أو نهاره ، وكل يوم سبب وجوب أدائه لأنها عبادات متفرقة كتفرق الصلوات في الأوقات ، بل أشد لتخلل زمان لا يصلح للصوم وهو الليل ، وجمع المصنف بينهما لأنه لا منافاة فشهود جزء منه سبب لكله ثم كل يوم سبب لصومه ، غاية الأمر أنه تكرر سبب وجوب صوم اليوم باعتبار خصوصه ودخوله في ضمن غيره ، وشرط وجوبه الإسلام ، والبلوغ ، والعقل . وشرط وجوب أدائه : الصحة ، والإقامة . وشرط صحته : الطهارة عن الحيض والنفاس ، والنية .

وينبغي أن يزاد في الشروط : العلم بالوجوب ، أو الكون في دار الإسلام ، ويراد بالعلم الإدراك ، وهذا لأن الحربي إذا أسلم في دار الحرب ولم يعلم أن عليه صوم رمضان ثم علم ليس عليه قضاء ما مضى ، وإنما يحصل العلم الموجب بإخبار رجلين أو رجل وامرأتين أو واحد عدل [ ص: 303 ] وعندهما لا تشترط العدالة ولا البلوغ ولا الحرية ، ولو أسلم في دار الإسلام وجب عليه قضاء ما مضى بعد الإسلام علم بالوجوب أو لا ، وحكمه سقوط الواجب ، ونيل ثوابه ، وإن كان صوما لازما وإلا فالثاني .

وأقسامه : فرض ، وواجب ، ومسنون ، ومندوب ، ونفل ، ومكروه تنزيها وتحريما . فالأول رمضان ، وقضاؤه ، والكفارات للظهار والقتل واليمين ، وجزاء الصيد ، وفدية الأذى في الإحرام لثبوت هذه بالقاطع سندا ومتنا والإجماع عليها . والواجب : المنذور والمسنون عاشوراء مع التاسع ، والمندوب : صوم ثلاثة من كل شهر ويندب فيها كونها الأيام البيض ، وكل صوم ثبت بالسنة طلبه والوعد عليه كصوم داود عليه الصلاة والسلام ونحوه .

والنفل : ما سوى ذلك مما لم تثبت كراهته . والمكروه تنزيها : عاشوراء مفردا عن التاسع ونحو يوم المهرجان .

وتحريما : أيام التشريق والعيدين ، وسنعقد بذيل هذا الباب فروعا لتفصيل هذه . فإن قيل : لم كان المنذور واجبا مع أن ثبوته بقوله تعالى { وليوفوا نذورهم } ؟ أجيب : بأنه عام دخله الخصوص فإنه خص النذر بالمعصية وبما ليس من جنسه واجب كعيادة المريض ، أو كان لكنه غير مقصود لنفسه بل لغيره حتى لو نذر الوضوء لكل صلاة لم يلزم فصارت ظنية كالآية المؤولة فيفيد الوجوب ، وقد علم مما ذكرنا شروط لزوم النذر وهي : كون المنذور من جنسه واجب لا لغيره ، على هذا تضافرت كلمات الأصحاب ، فقول صاحب المجمع تبعا لصاحب البدائع : يفترض صوم رمضان وصوم المنذور والكفارة على غير ما ينبغي على هذا لكن الأظهر أنه فرض للإجماع على لزومه .

التالي السابق


الخدمات العلمية