صفحة جزء
[ ص: 313 ] فصل في رؤية الهلال قال ( وينبغي للناس أن يلتمسوا الهلال في اليوم التاسع والعشرين من شعبان ، فإن رأوه صاموا ، وإن غم عليهم أكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما ثم صاموا ) لقوله صلى الله عليه وسلم { صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن غم عليكم الهلال فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما } ولأن الأصل بقاء الشهر فلا ينقل عنه إلا بدليل ولم يوجد .


[ ص: 313 ] فصل )

( قوله وينبغي للناس ) أي يجب عليهم وهو واجب على الكفاية ( قوله لقوله عليه الصلاة والسلام ) في الصحيحين عنه عليه الصلاة والسلام { صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما } .

وقوله في اليوم التاسع والعشرين من شعبان فيه تساهل ، فإن الترائي إنما يجب ليلة الثلاثين لا في اليوم الذي هي عشيته ، نعم لو رئي في التاسع والعشرين بعد الزوال كان كرؤيته ليلة الثلاثين بالاتفاق ، وإنما الخلاف في رؤيته قبل الزوال من اليوم الثلاثين ، فعند أبي يوسف رحمه الله : هو من الليلة الماضية فيجب صوم ذلك اليوم وفطره إن كان ذلك في آخر رمضان .

وعند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله : هو للمستقبلة هكذا حكى الخلاف في الإيضاح ، وحكاه في المنظومة بين أبي يوسف ومحمد فقط ، وفي التحفة قال أبو يوسف رحمه الله : إذا كان قبل الزوال أو بعده إلى العصر فهو لليلة الماضية ، وإن كان بعد العصر فهو للمستقبلة بلا خلاف ، وفيه خلاف بين الصحابة ، روي عن عمر وابن مسعود وأنس رضي الله عنهم كقولهما ، وعن عمر رضي الله عنه في رواية أخرى وهو قول علي وعائشة رضي الله عنهما مثل قول أبي يوسف ا هـ .

وعن أبي حنيفة : إن كان مجراه أمام الشمس ، والشمس تتلوه فهو للماضية ، وإن كان خلفها فللمستقبلة ، وقال الحسن بن زياد : إذا غاب بعد الشفق فللماضية ، وإن كان قبله فللراهنة . وجه قول أبي يوسف : أن الظاهر أنه لا يرى قبل الزوال إلا وهو لليلتين فيحكم بوجوب الصوم والفطر على اعتبار ذلك ، ولهما قوله عليه الصلاة والسلام { صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته } فوجب سبق الرؤية على الصوم والفطر ، والمفهوم المتبادر منه الرؤية عند عشية آخر كل شهر عند الصحابة والتابعين ومن بعدهم ، بخلاف ما قبل الزوال من الثلاثين ، والمختار قولهما ، وهو كونه للمستقبلة قبل الزوال وبعده ، إلا أن واحدا لو رآه في نهار الثلاثين من رمضان فظن انقضاء مدة الصوم وأفطر عمدا ينبغي أن لا تجب عليه كفارة ، وإن رآه بعد الزوال ذكره في الخلاصة . هذا وتكره الإشارة إلى الهلال عند رؤيته ، لأنه فعل أهل الجاهلية ، وإذا ثبت في مصر لزم سائر الناس فيلزم أهل المشرق برؤية أهل المغرب في ظاهر المذهب وقيل : يختلف باختلاف المطالع لأن السبب الشهر ، وانعقاده في حق قوم للرؤية لا يستلزم انعقاده في حق آخرين مع اختلاف المطالع ، وصار كما لو زالت أو غربت الشمس على قوم دون آخرين وجب على الأولين الظهر [ ص: 314 ] والمغرب دون أولئك ، وجه الأول عموم الخطاب في قوله " صوموا " معلقا بمطلق الرؤية في قوله لرؤيته ، وبرؤية قوم يصدق اسم الرؤية فيثبت ما تعلق به من عموم الحكم ، فيعم الوجوب بخلاف الزوال والغروب ، فإنه لم يثبت تعلق عموم الوجوب بمطلق مسماه في خطاب من الشارع والله أعلم .

ثم إنما يلزم متأخري الرؤية إذا ثبت عندهم رؤية أولئك بطريق موجب ، حتى لو شهد جماعة أن أهل بلد كذا رأوا هلال رمضان قبلكم بيوم فصاموا وهذا اليوم ثلاثون بحسابهم ، ولم ير هؤلاء الهلال لا يباح لهم فطر غد ، ولا تترك التراويح هذه الليلة ، لأن هذه الجماعة لم يشهدوا بالرؤية ، ولا على شهادة غيرهم ، وإنما حكوا رؤية غيرهم ، ولو شهدوا أن قاضي بلد كذا شهد عنده اثنان برؤية الهلال في ليلة كذا ، وقضى بشهادتهما جاز لهذا القاضي أن يحكم بشهادتها لأن قضاء القاضي حجة وقد شهدوا به ، ومختار صاحب التجريد وغيره من المشايخ اعتبار اختلاف المطالع ، وعورض لهم بحديث كريب أن أم الفضل بعثته إلى معاوية بالشام قال : فقدمت الشام فقضيت حاجتها ، واستهل علي رمضان وأنا بالشام فرأيت الهلال يوم الجمعة ، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ثم ذكر الهلال ، فقال : متى رأيتموه ؟ فقلت : رأيناه ليلة الجمعة ، فقال : أنت رأيته ؟ فقلت : نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية رضي الله عنه ، فقال : لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه فقلت : أو لا تكتفي برؤية معاوية رضي الله عنه وصومه ، فقال : لا هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، شك أحد رواته في تكتفي بالنون أو بالتاء ، ولا شك أن هذا أولى لأنه نص وذلك محتمل لكون المراد أمر كل أهل مطلع بالصوم لرؤيتهم ، رواه مسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وقد يقال : إن للإشارة في قوله هكذا إلى نحو ما جرى بينه وبين رسول أم الفضل ، وحينئذ لا دليل فيه لأن مثل ما وقع من كلامه لو وقع لنا لم نحكم به ، لأنه لم يشهد على شهادة غيره ولا على حكم الحاكم .

فإن قيل : إخباره عن صوم معاوية يتضمنه لأنه الإمام يجاب بأنه لم يأت بلفظة الشهادة ، ولو سلم فهو واحد لا يثبت بشهادة وجوب القضاء على القاضي ، والله سبحانه وتعالى أعلم .

والأخذ بظاهر الرواية أحوط .

التالي السابق


الخدمات العلمية