صفحة جزء
[ ص: 314 ] ( ولا يصومون يوم الشك إلا تطوعا ) لقوله صلى الله عليه وسلم { لا يصام اليوم الذي يشك فيه أنه من رمضان إلا تطوعا } وهذه المسألة على وجوه : [ ص: 315 ] أحدها : أن ينوي صوم رمضان وهو مكروه لما روينا ، [ ص: 316 ] ولأنه تشبه بأهل الكتاب لأنهم زادوا في مدة صومهم ثم إن ظهر أن اليوم من رمضان يجزيه لأنه شهد الشهر وصامه وإن ظهر أنه من شعبان كان تطوعا ، وإن أفطر لم يقضه [ ص: 317 ] لأنه في معنى المظنون . والثاني : أن ينوي عن واجب آخر وهو مكروه أيضا لما روينا إلا أن هذا دون الأول في الكراهة ثم إن ظهر أنه من رمضان يجزيه لوجود أصل النية ، وإن ظهر أنه من شعبان فقد قيل : يكون تطوعا لأنه منهي عنه [ ص: 318 ] فلا يتأدى به الواجب ، وقيل : يجزيه عن الذي نواه وهو الأصح لأن المنهي عنه وهو التقدم على رمضان بصوم رمضان لا يقوم بكل صوم ، بخلاف يوم العيد لأن المنهي عنه وهو ترك الإجابة بلازم كل صوم ، والكراهية ههنا لصورة النهي . والثالث : أن ينوي التطوع وهو غير مكروه لما روينا وهو حجة على الشافعي رحمه الله في قوله على سبيل الابتداء ، والمراد بقوله صلى الله عليه وسلم { لا تتقدموا رمضان بصوم يوم ولا بصوم يومين } الحديث ، التقدم بصوم رمضان لأنه يؤديه قبل أوانه ، [ ص: 319 ] ثم إن وافق صوما كان يصومه فالصوم أفضل بالإجماع : وكذا إذا صام ثلاثة أيام من آخر الشهر فصاعدا ، وإن أفرده فقد قيل : الفطر أفضل احترازا عن ظاهر النهي وقد قيل : الصوم أفضل اقتداء بعلي وعائشة رضي الله عنهما فإنهما كانا يصومانه ، والمختار أن يصوم المفتي بنفسه أخذا بالاحتياط ، ويفتي العامة بالتلوم إلى وقت الزوال ثم بالإفطار نفيا للتهمة .

والرابع : أن يضجع في أصل النية بأن ينوي أن يصوم غدا إن كان من [ ص: 320 ] رمضان ولا يصومه إن كان من شعبان ، وفي هذا الوجه لا يصير صائما لأنه لم يقطع عزيمته فصار كما إذا نوى أنه إن وجد غدا غداء يفطر ، وإن لم يجد يصوم . والخامس : أن يضجع في وصف النية بأن ينوي إن كان غدا من رمضان يصوم عنه ، وإن كان من شعبان فعن واجب آخر ، وهذا مكروه لتردده بين أمرين مكروهين . ثم إن ظهر أنه من رمضان أجزأه لعدم التردد في أصل النية ، وإن ظهر أنه من شعبان لا يجزيه عن واجب آخر لأن الجهة لم تثبت للتردد فيها ، وأصل النية لا يكفيه لكنه يكون تطوعا غير مضمون بالقضاء لشروعه فيه مسقطا ، وإن نوى عن رمضان إن كان غدا منه وعن التطوع إن كان من شعبان يكره لأنه ناو للفرض من وجه ، ثم إن ظهر أنه من رمضان أجزأه عنه لما مر ، وإن ظهر أنه من شعبان جاز عن نفله لأنه يتأدى بأصل النية ، ولو أفسده يجب أن لا يقضيه لدخول الإسقاط في عزيمته من وجه .


( قوله ولا يصومون يوم الشك إلا تطوعا ) الكلام هنا في تصوير يوم [ ص: 315 ] الشك وبيان حكمه وبيان الاختلاف فيه ، أما الأول قال هو استواء طرفي الإدراك من النفي والإثبات ، وموجبه هنا أن يغم الهلال ليلة الثلاثين من شعبان فيشك في اليوم الثلاثين أمن رمضان هو أو من شعبان ؟ أو يغم من رجب هلال شعبان فأكملت عدته ، ولم يكن رئي هلال رمضان فيقع الشك في الثلاثين من شعبان أهو الثلاثون أو الحادي والثلاثون ، ومما ذكر فيه من كلام غير أصحابنا ما إذا شهد من ردت شهادته ، وكأنهم لم يعتبروا ذلك لأنه إن كان في الصحو فهو محكوم بغلطه عندنا لظهوره ، فمقابله موهوم لا مشكوك .

وإن كان في غيم فهو شك وإن لم يشهد به أحد ، وهذا لأن الشهر ليس الظاهر فيه أن يكون ثلاثين ، حتى أنه إذا كان تسعة وعشرين يكون مجيئا على خلاف الظاهر ، بل يكون تسعة وعشرين كما يكون ثلاثين تستوي هاتان الحالتان بالنسبة إليه كما يعطيه الحديث المعروف في الشهر ، فاستوى الحال حينئذ في الثلاثين أنه من المنسلخ أو المستهل إذا كان غيم فيكون مشكوكا ، بخلاف ما إذا لم يكن لأنه لو كان من المستهل لرئي عند الترائي ، فلما لم ير كان الظاهر أن المنسلخ ثلاثون ، فيكون هذا اليوم منه غير مشكوك في ذلك ، وأما الثاني وهو بيان حكم صومه فلا يخلو من أن يقطع النية أو يرددها ، وعلى الأول لا يخلو من أن ينوي به صوم رمضان أو واجب آخر أو التطوع ابتداء أو لاتفاق يوم كان يصومه أو أيام ، بأن كان يصوم مثلا ثلاثة أيام من آخر كل شهر ، وعلى الثاني وهو أن يضجع فيها ، فأما في أصل النية بأن ينوي من رمضان إن كان منه فإن لم يكن منه فلا يصوم ، أو في وصفها بأن ينوي صوم رمضان إن كان منه ، وإن لم يكن منه فعن واجب كذا قضاء أو كفارة أو نذر أو رمضان إن كان منه ، وإلا فعن النفل والكل مكروه إلا في التردد في أصلها ، فإنه لا يكون صائما وإلا في النفل بلا إضجاع بل في صورة قطع النية عليه سواء كان لموافقة صوم كان يصومه أو ابتداء ، واختلفوا في الأفضل إذا لم يوافق صوما كان يصومه قيل : الفطر ، وقيل : الصوم ، ثم فيما يكره تتفاوت الكراهة ، وتفصيل ذلك ظاهر من الكتاب .

وهذا في عين يوم الشك ، فأما صوم ما قبله ففي التحفة قال : والصوم قبل رمضان بيوم أو يومين مكروه أي صوم كان لقوله عليه الصلاة والسلام { لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين إلا أن يوافق صوما كان يصومه أحدكم } . قال : وإنما كره عليه الصلاة والسلام خوفا من أن يظن أنه زيادة على صوم رمضان إذا اعتادوا ذلك ، وعن هذا قال أبو يوسف يكره وصل رمضان بست من شوال ، وذكر قبله بأسطر عدم كراهة صوم يوم الشك تطوعا ، ثم قيده بكونه على وجه لا يعلم العوام ذلك كي لا يعتادوا صومه فيظنه الجهال زيادة في رمضان ا هـ .

وظاهر الكافي في خلافه قال : إن وافق يعني يوم الشك صوما كان يصومه فالصوم أفضل ، وكذا إذا صام كله أو نصفه أو ثلاثة من آخره ا هـ . ولم يقيد بكون صوم الثلاثة عادة وهو ظاهر كلام المصنف أيضا ، حيث حمل حديث التقدم على التقدم بصوم رمضان ، مع أنه يمكن أن يحمله عليه ويكره صومها لمعنى ما في التحفة فتأمل .

وما في التحفة أوجه . وأما [ ص: 316 ] الثالث : فقد علمت أن مذهبنا إباحته ومذهب الشافعي كراهته وإن لم يوافق صوما له ، ومذهب أحمد وجوب صومه بنية رمضان في أصح الروايتين عنه ، ذكره ابن الجوزي في التحقيق . ولنأت الآن على ما ذكره المصنف من الأحاديث وغيرها مما يتعلق به استدلال المذاهب ليظهر مطابقتها لأي المذاهب . والأول : حديث { لا يصام اليوم الذي يشك فيه أنه من رمضان إلا تطوعا } لم يعرف قيل : ولا أصل له والله أعلم . وسيأتي ثبوت المقصود وهو إباحة الصوم بوجه آخر ، والله أعلم .

الثاني : { لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين إلا رجل كان يصوم صوما فيصومه } رواه الستة في كتبهم . الثالث : ما أخرج الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا بقي النصف من شعبان فلا تصوموا } وقال : حسن صحيح . لا يعرف إلا من هذا الوجه على هذا اللفظ ، ومعناه عند بعض أهل العلم أن يفطر الرجل حتى إذا انتصف شعبان أخذ في الصوم .

الرابع : ما ذكره من قوله قال عليه الصلاة والسلام { من صام يوم الشك فقد عصا أبا القاسم } وإنما ثبت موقوفا على عمار ذكره البخاري تعليقا عنه ، فقال : وقال : صلة عن عمار { من صام يوم الشك } إلخ وأصل الحديث ما رواه أصحاب السنن الأربعة في كتبهم وصححه الترمذي عن صلة بن زفر قال : كنا عند عمار في اليوم الذي يشك فيه فأتي بشاة مصلية فتنحى بعض القوم فقال عمار : من صام هذا اليوم فقد عصا أبا القاسم رواه الخطيب في تاريخ بغداد في ترجمة محمد بن عيسى بن عبد الله الآدمي .

حدثنا أحمد بن عمر الوكيعي : حدثنا وكيع عن سفيان عن سماك عن عكرمة عن " ابن عباس رضي الله عنهما قال من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى الله ورسوله " ثم قال : تابع الآدمي عليه أحمد بن عاصم الطبراني عن وكيع الخامس : ما تقدم من قوله عليه الصلاة والسلام { صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين } وهو في الصحيحين . وعند أبي داود والترمذي وحسنه { فإن حال بينكم وبينه سحاب فكملوا العدة ثلاثين ولا تستقبلوا الشهر استقبالا } .

السادس : ما في الصحيحين مما استدل به الإمام أحمد على وجوب صوم يوم الشك { أنه عليه الصلاة والسلام قال لرجل هل صمت من سرر شعبان ؟ قال : لا قال : فإذا أفطرت فصم يوما مكانه وفي لفظ فصم يوما } . وفي الصحيحين أيضا قوله صلى الله عليه وسلم { صم يوما وأفطر يوما فإنه صوم داود } وسرار الشهر آخره سمي به لاستسرار القمر فيه ، قاله المنذري وغيره .

واعلم أن السرار قد يقال على الثلاث الأخيرة من ليالي الشهر ، لكن دل قوله " صم يوما " على أن المراد صم آخرها لا كلها ، وإلا قال : صم ثلاثة أيام مكانها ، وكذا قوله من سرر الشهر لإفادة التبعيض

وعندنا هذا يفيد استحباب صومه لا وجوبه ، لأنه معارض بنهي التقدم بصيام يوم أو يومين فيحمل على كون المراد التقدم بصوم رمضان جمعا بين الأدلة ، وهو واجب ما أمكن ، ويصير حديث السرر [ ص: 317 ] للاستحباب ، ولأن المعنى الذي يعقل فيه هو أن يختم شعبان بالعبادة كما يستحب ذلك كل شهر .

فهو بيان أن هذا الأمر وهو ختم الشهر بعبادة الصوم لا يختص بغير شعبان كما قد يتوهم بسبب اتصال الصوم الواجب به بخلاف حمل حديث التقدم على صوم النفل ، فيجعل هو الممنوع ، وصوم رمضان هو الواجب بحديث السرر ، فيكون منع النفل بسبب الإخلال بالواجب المفاد بحديث السرر ، لأنه يؤدي إلى فتح مفسدة ظن الزيادة في رمضان عند تكرره مع غلبة الجهل ، وهو مكفر لأنه كذب على الله تعالى فيما شرع كما فعل أهل الكتاب حيث زادوا في مدة صومهم ، فيثبت بذلك ما ذهبنا إليه من حل صومه مخفيا عن العوام ، وكل ما وافق حديث التقدم في منعه كحديث إكمال العدة فهو مثله في وجوب حمله على صوم رمضان ، لأن صومه تطوعا إكمال لعدة شعبان ، وحديث عمار بن ياسر وابن عباس رضي الله عنهم بتقدير تسليمه موقوف لا يعارض به حديث السرر ، والأولى حمله على إرادة صومه عن رمضان ، وكأنه فهم من الرجل المتنحي قصد ذلك فلا تعارض حينئذ أصلا .

وعلى هذا التقرير لا يكره صوم واجب آخر في يوم الشك ، لأن المنهي عنه صوم رمضان ليس غير إذ لم يثبت غيره وهو ظاهر كلام التحفة حيث قال : أما المكروه فأنواع ، إلى أن قال : وصوم يوم الشك بنية رمضان أو بنية مترددة ثم ذكر صورته ، ثم قال : وقد قام الدليل على أن الصوم فيه عن واجب آخر ، وعن التطوع مطلقا لا يكره ، فثبت أن المكروه ما قلنا ، يعني صوم رمضان وهو غير بعيد من كلام الشارحين ، والكافي وغيرهم ، حيث ذكروا أن المراد من حديث التقدم التقدم بصوم رمضان ، قالوا : ومقتضاه أن لا يكره واجب آخر أصلا وإنما كره لصورة النهي في حديث العصيان ، وحقيقة هذا الكلام على وجه يصح أن يكون معناه أن يترك صومه عن واجب آخر تورعا وإلا فبعد تأدي الاجتهاد إلى وجوب كون المراد من النهي عن التقدم صوم رمضان كيف يوجب حديث العصيان منع غيره ، ولا فرق بين حديث التقدم وبينه ، فما وجب أن يحمل عليه وجب حمل الآخر عليه بعينه إذ لا فرق في المعنى سوى تعدد السند هذا بعد حمله على السماع من النبي صلى الله عليه وسلم والله سبحانه أعلم .

( قوله : لأنه في معنى المظنون ) ولم يقل مظنون لأن حقيقته تتوقف على تيقن الوجوب ، ثم الشك في إسقاطه وعدمه ، وهو منتف لكن هذا في معناه حيث ظن أن عليه صوما ( قوله : وهو مكروه أيضا لما روينا ) يعني لا يصام اليوم الذي يشك فيه إلا تطوعا ، وقد عرفت أنه لا أصل له ( قوله : إلا أن هذا دون الأول في الكراهة ) [ ص: 318 ] لأنه لم ينو رمضان الذي هو مثار النهي .

( قوله وهو الأصح ) لأن المنهي عنه وهو التقدم بصوم رمضان لا يقوم بكل صوم بل بصوم رمضان فقط ، وعن هذا لا يكره أصلا إلا أنه كره لصورة النهي : أي النهي المحمول على رمضان فإنه وإن حمل عليه فصورته اللفظية قائمة فالتورع أن لا يحل بساحتها أصلا .

وهذا يفيد أنها كراهة تنزيه التي مرجعها إلى خلاف الأولى لا غير لا لمعنى في نفس الصوم ، فلا يوجب نقصانا في ذاته ليمنع من وقوعه [ ص: 319 ] عن الكامل ولا يكون كالصلاة في الأرض المغصوبة ، بل دون ذلك على ما حققناه آنفا ( قوله : وقد قيل الصوم أفضل اقتداء بعائشة وعلي رضي الله عنهما فإنهما كان يصومانه ) قال في شرح الكنز لا دلالة فيه لأنهما كانا يصومانه بنية رمضان ، وقال في الغاية ردا على صاحب الهداية إن مذهب علي رضي الله عنه خلاف ذلك ، ولعل المصنف ينازع فيما ذكره شارح الكنز ، لأن المنقول من قول عائشة رضي الله عنها في صومها لأن أصوم يوما من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوما من رمضان ، فهذا الكلام يفيد أنها تصومه على أنه يوم من شعبان كي لا تقع في إفطار يوم من رمضان ، ويبعد أن تقصد به رمضان بعد حكمها بأنه من شعبان ، وكونه من رمضان احتمال ، والأولى في التمسك على الأفضلية حديث السرر فإنه يفيد بعد الجمع الذي وجب على ما قدمناه الاستحباب لا الإباحة ، ولكن بشرط أن لا يكون سببا للمفسدة في الاعتقاد ، فلذا كان المختار أن يصوم المفتي بنفسه أخذا بالاحتياط ، ويفتي العامة بالتلوم إلى وقت الزوال ثم بالإفطار حسما لمادة اعتقاد الزيادة ، ويصوم فيه المفتي سرا لئلا يتهم بالعصيان فإنه أفتاهم بالإفطار بعد التلوم لحديث العصيان وهو مشتهر بين العوام .

فإذا خالف إلى الصوم اتهموه بالمعصية ، وقصة أبي يوسف صريحة في أن من صامه من الخاصة لا يظهره للعامة وهي ما حكاه أسد بن عمرو ، قال : أتيت باب الرشيد فأقبل أبو يوسف القاضي وعليه عمامة سوداء ومدرعة سوداء وخف أسود وراكب على فرس أسود ، وما عليه شيء من البياض إلا لحيته البيضاء ، وهو يوم شك فأفتى الناس بالفطر [ ص: 320 ] فقلت له : أمفطر أنت ؟ فقال : ادن إلي ، فدنوت منه فقال في أذني : أنا صائم ، وقوله المفتي ليس بقيد بل كل من كان من الخاصة وهو يتمكن من ضبط نفسه عن الإضجاع في النية وملاحظة كونه عن الفرض إن كان غدا من رمضان ( قوله أجزأه لعدم التردد في أصل النية ) وعن بعض المشايخ : لا يجزيه عن رمضان .

وروي ذلك عن محمد ، وأصله ما ذهب إليه محمد من أنه إذا كبر ينوي الظهر والعصر ، على قول أبي يوسف يصير شارعا في الظهر ، وعلى قول محمد لا يصير شارعا في الصلاة أصلا لكن المسطور في غير موضع لو نوى القضاء والتطوع كان عن القضاء عند أبي يوسف لأنه أقوى ، وعند محمد عن التطوع لأن النيتين تدافعتا فبقي مطلق النية فيقع عن التطوع ، ولأبي يوسف ما قلنا ، ولأن نية التطوع للمتطوع غير محتاج إليها فلغت وتعينت نية القضاء [ ص: 321 ] فيقع عن القضاء .

وهذا يقتضي أن يقع عن رمضان عند محمد ، لأن التدافع لما أوجب بقاء مطلق النية حتى وقع عن التطوع ، وجب أن يقع عن رمضان لتأديه بمطلق النية ، ونظيره من الفروع المنقولة أيضا لو نوى قضاء رمضان ، وكفارة الظهار كان عن القضاء استحسانا ، وهو قول أبي يوسف .

وفي القياس وهو قول محمد : يكون تطوعا لتدافع النيتين فصار كأنه صام مطلقا . وجه الاستحسان : أن القضاء أقوى لأنه حق الله تعالى وكفارة الظهار فيه حق له فيترجح القضاء ، ولو نذر صوم يوم بعينه فنوى النذر وكفارة اليمين يقع عن النذر عند محمد ، وفي هذه كلها ما ذكرناه من عدم بطلان مطلق النية عنده وصحة النذر لأنه نفل في حد ذاته ، وهذا يقتضي أنه فرق بين الصوم والصلاة ، فإنه لو بقي أصل النية في نية الظهر والعصر لكان شارعا في صلاة نفل ، وهو يمنعه على ما عرف في كتاب الصلاة من أنه إذا بطل وصف الفرضية لا يبقى أصل الصلاة عند محمد خلافا لأبي حنيفة وأبي يوسف ، وهو مطالب بالفرق أو يجعل ما ذكرنا عنه في الصوم رواية توافق قولهما في الصلاة والله سبحانه أعلم

التالي السابق


الخدمات العلمية