صفحة جزء
[ ص: 121 ] باب التيمم ( ومن لم يجد ماء وهو مسافر [ ص: 122 ] أو خارج المصر بينه وبين المصر نحو ميل أو أكثر يتيمم بالصعيد ) قوله تعالى { فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا } وقوله عليه الصلاة والسلام { التراب طهور المسلم ولو إلى عشر حجج ما لم يجد الماء } والميل هو المختار في المقدار لأنه يلحقه الحرج بدخول المصر ، [ ص: 123 ] والماء معدوم حقيقة والمعتبر المسافة دون خوف الفوت لأن التفريط يأتي من قبله ( ولو كان يجد الماء إلا أنه مريض يخاف إن استعمل الماء اشتد مرضه [ ص: 124 ] يتيمم ) لما تلونا ، ولأن الضرر في زيادة المرض فوق الضرر في زيادة ثمن الماء ، وذلك يبيح التيمم فهذا أولى . ولا فرق بين أن يشتد مرضه بالتحرك أو بالاستعمال . واعتبر الشافعي رحمه الله خوف التلف وهو مردود بظاهر النص .


[ ص: 121 ] باب التيمم

شرع { في غزوة المريسيع لما أضلت عائشة عقدها ، فبعث صلى الله عليه وسلم في طلبه وحانت الصلاة وليس معهم ماء ، فأغلظ أبو بكر رضي الله عنه على عائشة وقال : حبست رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين على غير ماء فنزلت فجاء أسيد بن حضير فجعل يقول ما أكثر بركتكم يا آل أبي بكر . وفي رواية : يرحمك الله يا عائشة ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله للمسلمين فيه فرجا } . ومفهومه اللغوي القصد مطلقا والشرعي قالوا القصد إلى الصعيد الطاهر للتطهير . والحق أنه اسم لمسح الوجه واليدين عن الصعيد الطاهر ، والقصد شرط لأنه النية

[ ص: 122 ] قوله أو خارج المصر ) يجوز كونه حالا مفردا عطفا على جملة حالية كقوله تعالى { لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا } وأن يكون ظرف مكان لأن خارج البلد اسم لما بظاهره من المكان ويكون عطفا حينئذ على ( وهو مسافر ) فنصبه على الظرف وهو مع المبتدأ جملة في موضع الحال أيضا إذ تقديره : ولا وهو خارج المصر مثل { والركب أسفل منكم } ورجح الأول في النهاية ، والظاهر أن الثاني أرجح لأن خارجا الصفة لا يصل إلى البلد إلا بواسطة الحرف كفعله . لا يقال : زيد خارج البلد كما لا يقال خرجت البلد وكما لا يقال قاعد الدار بل خارج عن البلد أو منها فلا يضاف حينئذ لفصل الحرف ، وإسقاط الخافض سماعي ، ويجوز كون خارج عطفا على مسافر عطف مفرد خبر ظرف على خبر ( قوله لقوله صلى الله عليه وسلم : التراب إلخ ) عن { أبي ذر أنه كان يعزب في إبل له وتصيبه الجنابة فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم قال له الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين ، فإذا وجده فليمسه بشرته } رواه أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح . وفي رواية الترمذي { الصعيد الطيب طهور المسلم } والباقي بحاله ، ويعزب يبعد ( قوله والميل هو المختار ) احتراز عما قيل ميلان

[ ص: 123 ] أو ميلان إن كان الماء أمامه وإلا فميل ، أو لو صاح بأعلى صوته لم يسمعه أهل الماء لأنه لا تحرير لهذا لعدم انضباطه ، وبالميل يتحقق الحرج لو ألزم الذهاب إلى الماء بالنظر إلى جنس المكلفين ، وما شرع التيمم إلا لدفع الحرج . ولذا قدم في الآية المرضى على المسافرين لأنهم أحوج إلى الرخصة من غيرهم ، ثم الميل في تقدير ابن شجاع ثلاثة آلاف ذراع وخمسمائة إلى أربعة آلاف ، وفي تفسير غيره أربعة آلاف وهو ثلث الفرسخ ، وضبط في قول القائل :

إن البريد من الفراسخ أربع ولفرسخ فثلاث أميال ضعوا     والميل ألف أي من الباعات قل
والباع أربع أذرع فتتبعوا     ثم الذراع من الأصابع أربع
من بعدها عشرون ثم الأصبع     ست شعيرة فظهر شعيرة
منها إلى بطن لأخرى توضع     ثم الشعيرة ست شعرات فقل
من شعر بغل ليس فيها مدفع

وعن أبي يوسف : إن الماء إذا كان بحيث لو ذهب إليه وتوضأ تذهب القافلة وتغيب عن بصره فهو بعيد ويجوز له التيمم ، وهذا حسن جدا كذا في الذخيرة ( قوله والمعتبر المسافة إلخ ) احتراز عن قول زفر فإنه يجوز التيمم لخوف الفوت وإن كان الماء أقل من ميل ( قوله ولو كان يجد الماء إلا أنه مريض يخاف إن استعمل الماء اشتد مرضه ) أو أبطأ برؤه يتيمم ، ولا فرق بين أن يشتد بالتحرك كالمشتكي من العرق المدني والمبطون أو بالاستعمال كالجدري ونحوه ، أو كان لا يجد من يوضئه ولا يقدر بنفسه ، فإن وجد خادما له أو ما يستأجر به أجيرا أو عنده من لو استعان به أعانه فعلى ظاهر المذهب لا يتيمم لأنه قادر . قال المصنف في التجنيس بعد أن ذكر وجوب الوضوء : فيما قلنا بين هذا وبين المريض إذا لم يقدر على الصلاة ومعه قوم لو استعان بهم في الإقامة والثبات على

[ ص: 124 ] القيام جاز له الصلاة قاعدا . والفرق أنه يخاف على المريض زيادة الوجع في قيامه ولا يلحقه زيادة الحرج في الوضوء . قال : وذكر شيخنا الإمام منهاج الأئمة فيما قرأنا عليه في الفصل الأول خلافا بين أبي حنيفة وصاحبيه على قوله يجزئه التيمم . وعلى قولهما لا . وقال : وعلى هذا الخلاف إذا كان مريضا لا يقدر على الاستقبال أو كان في فراشه نجاسة ولا يقدر على التحول عنه ووجد من يحوله ويوجهه لا يفترض عليه ذلك عنده ، وعلى هذا الأعمى إذا وجد قائدا لا يلزمه الجمعة والحج والخلاف فيهما معروف . فالحاصل أن عنده لا يعتبر المكلف قادرا بقدرة غيره لأن الإنسان إنما يعد قادرا إذا اختص بحالة تهيئ له الفعل متى أراد وهذا لا يتحقق بقدرة غيره ، ولهذا قلنا إذا بذل الابن المال والطاعة لأبيه لا يلزمه الحج ، وكذا من وجبت عليه كفارة وهو معدم فبذل إنسان له المال لما قلنا ، وعندهما تثبت القدرة بآلة الغير لأن آلته صارت كآلته بالإعانة ، وكان حسام الدين يختار قولهما ا هـ . وعن محمد : لا يتيمم في المصر إلا أن يكون مقطوع اليدين لأن الظاهر أنه يجد من يعينه ، وكذا العجز على شرف الزوال بخلاف مقطوعهما ( قوله واعتبر الشافعي خوف التلف ) أو شين على عضو ظاهر كسواد اليد ونحوه ( وهو مردود بظاهر النص ) إذ قوله تعالى { وإن كنتم مرضى } الآية لا تقيد فيه بين مريض يخشى التلف بالاستعمال أو الزيادة ، ولولا ما علم قطعا من أن شرعية التيمم للمريض إنما هو رخصة لدفع الحرج عنه والحرج إنما يتحقق

[ ص: 125 ] عند خوف الاشتداد أو الامتداد لكان جائزا للمريض مطلقا خاف عاقبته أو لم يخف

التالي السابق


الخدمات العلمية