صفحة جزء
( الحج واجب على الأحرار البالغين العقلاء الأصحاء إذا قدروا على الزاد والراحلة فاضلا عن المسكن وما لا بد منه ، وعن نفقة عياله إلى حين عوده وكان الطريق آمنا )


( قوله على الأحرار إلخ ) وفي النهاية : إنما ذكر الأحرار وما بعده بلفظ الجمع مع أنه محلى باللام والمحلى يبطل فيه معنى الجمعية ، ولم يفرد كما أفرد في قوله الزكاة واجبة على الحر ، إخراجا للكلام مخرج العادة في إرادة الجمعية ، إذ العادة جرت وقت خروجهم بالجماعة الكثيرة من الرفقاء ، بخلاف الزكاة فإن الإخفاء فيها خير من الإبداء . قال تعالى { وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم } أو لأن الواجب هنا أعم على المكلفين نظرا إلى السبب ، فإن سببه البيت وهو ثابت في حق الكل ، حتى قال بعض العلماء بالوجوب على كل صحيح مكتسب ، بخلاف الزكاة فإن سببها النصاب النامي ، وهو يتحقق في حق شخص دون شخص ، فكانت إرادة زيادة التعميم هنا أوفق ، فلذا أتى بصيغة الجمع مع حرف الاستغراق ا هـ .

وحاصل الأول أنه أراد معنى الجمع وإن كان مع اللام ، والداعي إلى ذلك اجتماع المكلفين في الخروج ، ولا يخفى أنه بلفظ الجمع لا يفاد معنى الاجتماع إذ ليس الاجتماع من أجزاء مفهوم لفظ الجمع ولا لوازمه ، بل مجرد المتعدد من الثلاثة فصاعدا ، ولذا لا يلزم في قولك جاءني الرجال اجتماعهم في المجيء فانتفى هذا الداعي ، ثم قوله : إن الإخفاء في الزكاة أفضل يخالف ما ذكروه من أن الأفضل في الصدقة النافلة الإخفاء ، والمفروضة كالزكاة الإظهار . وأما الثاني فثبوت السبب في حق الكل إن كان باعتبار وجوده في الخارج فالنصاب أيضا ثابت لذلك لتحقق وجوده في الخارج ، وإن كان باعتبار سببيته فلنا أن نمنع ، فإن سببيته بموجبيته الحكم وهو لا يوجب الحكم في حق الكل بل في حق من اتصف بالشروط مع تحقق باقي الشروط التي يشترط وجودها في نفس الأمر كأمن الطريق ، فحقيقة الوجوب شرط سببية السبب للمتأمل ، فكان كالنصاب بل محل الوجوب في الزكاة أوسع ، لأن الشروط في الحج أكثر منها في الزكاة ، وتوسعة التفصيل مما يوجب التطويل ، وبالمتأمل غنى عنه بعد فتح باب التأمل له ، فكان على هذا إرادة زيادة التعميم في الزكاة أولى . ثم بعد التسليم كل ذلك فزيادة التعميم بالجمع المحلى باللام على المفرد المحلى باللام ممنوع على ما عرف من كلام المحققين من أن استغراق المفرد أشمل ، وإن أراد بالاستغراق الاجتماع ففيه ما علمت مع أنه لا يصح إرادته على الوجه الثاني بأدنى تأمل .

( قوله إذا قدروا على الزاد ) بنفقة وسط لا إسراف فيها ولا تقتير ( والراحلة ) أي بطريق الملك أو الإجارة دون الإعارة ، والإباحة في الوقت الذي قدمنا ذكره . ولو وهب له مال ليحج به لا يجب عليه قبوله سواء كان الواهب ممن تعتبر منته كالأجانب ، أو لا تعتبر كالأبوين والمولودين ، وأصله أن القدرة بالملك هي الأصل في توجيه الخطاب فقبل الملك لما به الاستطاعة لا يتعلق به ( قوله فاضلا ) حال من كل واحد من الزاد والراحلة ( عن المسكن وما لا بد منه ) يعني من غيره كفرسه وسلاحه وثيابه [ ص: 411 ] مرتين خصوصا ، وفي ضمن العموم ، وعلى الإيضاح بعد الإبهام المفيد للتفخيم ، وكذا وضع من كفر مكان من لم يحج إلى آخر ما عرف في الكشاف

التالي السابق


الخدمات العلمية