صفحة جزء
قال ( وصلى ركعتين لما روى جابر رضي الله تعالى عنه { أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى بذي الحليفة ركعتين عند إحرامه قال وقال : اللهم إني أريد الحج فيسره لي وتقبله مني } ) لأن أداءها في أزمنة متفرقة وأماكن متباينة فلا يعرى عن المشقة عادة فيسأل التيسير ، وفي الصلاة لم يذكر مثل هذا الدعاء لأن مدتها يسيرة وأداءها عادة متيسر . قال ( ثم يلبي عقيب صلاته ) [ ص: 433 ] لما روي { أن النبي عليه الصلاة والسلام لبى في دبر صلاته } . وإن لبى بعدما استوت به راحلته جاز ، ولكن الأول أفضل لما روينا


( قوله لما روى جابر المعروف عن جابر رضي الله عنه في حديثه الطويل { أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في مسجد ذي الحليفة } ) ولم يذكر عددا . لكن في مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما { كان عليه الصلاة والسلام يركع بذي الحليفة ركعتين } .

وأخرج أبو داود عن ابن إسحاق عن ابن عباس رضي الله عنهما قال { خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجا ، فلما صلى في مسجده بذي الحليفة ركعتين أوجب في مجلسه } ورواه الحاكم وصححه ولا يصليهما في الوقت المكروه ، وتجزئ المكتوبة عنهما كتحية المسجد ، وعن أنس [ ص: 433 ] رضي الله عنه : { أنه عليه الصلاة والسلام صلى الظهر ثم ركب على راحلته } ( قوله والأول أفضل ) أي التلبية دبر الصلاة ( لما روينا ) من { أنه عليه الصلاة والسلام لبى في دبر صلاته } اعلم أنه اختلفت الروايات في إهلاله عليه الصلاة والسلام ، وروايات { أنه عليه الصلاة والسلام لبى بعدما استوت به راحلته } أكثر وأصح . في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما { أنه عليه الصلاة والسلام أهل حين استوت به راحلته قائمة } وفي لفظ لمسلم { كان عليه الصلاة والسلام إذا وضع رجله في الغرز وانبعثت به راحلته قائمة أهل من ذي الحليفة } وفي لفظ لمسلم أيضا { عن ابن عمر رضي الله عنهما لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل حتى تنبعث به راحلته } مختصرا .

وأخرج البخاري عن أنس رضي الله عنه { صلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعا وبذي الحليفة ركعتين ثم بات حتى أصبح فلما ركب راحلته واستوت به أهل } وكذا هو ظاهر حديث جابر الطويل المتقدم . وأخرجه البخاري أيضا في حديث آخر ، وأخرج مسلم عن ابن عباس وفيه { ثم ركب راحلته ، فلما استوت على البيداء أهل بالحج } فهذه تفيد ما سمعت .

وأخرج الترمذي والنسائي عن عبد السلام بن حرب حدثنا خصيف عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما { أن النبي صلى الله عليه وسلم أهل في دبر الصلاة } وقال : حديث حسن غريب لا يعرف أحد رواه غير عبد السلام بن حرب . قال في الإمام . وعبد السلام بن حرب أخرج له الشيخان وخصيف .

قال ابن حبان في كتاب الضعفاء : كان فقيها صالحا إلا أنه كان يخطئ كثيرا . والإنصاف فيه قبول ما وافق فيه الإثبات ، وترك ما لم يتابع عليه ، وأنا أستخير الله في إدخاله في الثقات ، ولذلك احتج به جماعة من أئمتنا وتركه آخرون .

وحاصل هذا الكلام أن الحديث حسن ، فإن أمكن الجمع جمع وإلا ترجح ما قبله ، وقد أمكن بل وقع فيما أخرجه أبو داود عن ابن إسحاق عن خصيف { عن سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس رضي الله عنهما : عجبت لاختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في إهلاله حين أوجب ، فقال إني لأعلم الناس بذلك إنما كانت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة واحدة ، فمن هناك اختلفوا . خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجا فلما صلى في مسجده بذي الحليفة ركعتيه أوجب في مجلسه فأهل بالحج حين فرغ من ركعتيه ، فسمع ذلك منه أقوام فحفظته عنه ثم ركب ، فلما استقلت به ناقته أهل وأدرك ذلك أقوام وذلك أن الناس إنما كانوا يأتون أرسالا فسمعناه حين استقلت به ناقته ، ثم مضى عليه الصلاة والسلام فلما علا على شرف البيداء أهل وأدرك ذلك أقوام فقالوا : إنما أهل حين علا على شرف البيداء ، وايم الله لقد أوجب في مصلاه وأهل [ ص: 434 ] حين استقلت به ناقته ، وأهل حين علا على شرف البيداء } ورواه الحاكم وقال : صحيح على شرط مسلم ا هـ .

وأنت علمت ما في ابن إسحاق في أوائل الكتاب ، وصححنا توثيقه ، وما في خصيف آنفا وإنما جعله الحاكم على شرط مسلم لما عرف من أن مسلما قد يخرج عمن لم يسلم من غوائل الجرح . والحق أن الحديث حسن فيجب اعتباره وبه يقع الجمع ويزول الإشكال

التالي السابق


الخدمات العلمية