صفحة جزء
قال ( ولا يلبس ثوبا مصبوغا بورس ولا زعفران ولا عصفر ) لقوله عليه الصلاة والسلام { لا يلبس المحرم ثوبا مسه زعفران ولا ورس } قال ( إلا أن يكون غسيلا لا ينفض ) [ ص: 443 ] لأن المنع للطيب لا للون . وقال الشافعي رحمه الله : لا بأس بلبس المعصفر لأنه لون لا طيب له . ولنا أن له رائحة طيبة .


( قوله لقوله عليه الصلاة والسلام { لا يلبس المحرم } إلخ ) تقدم في ضمن الحديث الطويل قريبا ( قوله إلا أن يكون غسيلا لا ينفض ) أي لا تظهر له رائحة عن محمد ، وهو المناسب لتعليل المصنف بأن المنع للرائحة لا للون ، ألا ترى أنه يجوز لبس المصبوغ بمغرة لأنه ليس له رائحة طيبة ، وإنما فيه الزينة والإحرام لا يمنعها حتى قالوا : يجوز للمحرمة أن تتحلى بأنواع الحلي وتلبس الحرير ، وهو موافق لما قدمناه من حديث أبي داود ، بخلاف المعتدة لأنها منهية عن الزينة ، وعن محمد أيضا أن معناه أن لا يتعدى منه الصبغ ، وكلا التفسيرين صحيح ، وقد وقع الاستثناء في نص حديث ابن عباس في البخاري في قوله إلا المزعفرة التي تردع الجلد .

وقال الطحاوي : حدثنا فهد وساقه إلى ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا تلبسوا ثوبا مسه ورس [ ص: 443 ] ولا زعفران إلا أن يكون غسيلا } يعني في الإحرام . قال ابن أبي عمران .

ورأيت يحيى بن معين يتعجب من الحماني أن يحدث بهذا الحديث فقال له عبد الرحمن : هذا عندي ، ثم ذهب من فوره فجاء بأصله فخرج هذا الحديث عن أبي معاوية كما ذكر الحماني فكتبه عنه يحيى بن معين . قال : وقد روى ذلك عن جماعة من المتقدمين ، ثم أخرج عن سعيد بن المسيب وطاوس والنخعي إطلاقه في الغسيل ( قوله ولنا أن له رائحة طيبة ) فمبنى الخلاف على أنه طيب الرائحة أو لا فقلنا نعم فلا يجوز وعن هذا قلنا لا يتحنى المحرم لأن الحناء طيب ومذهبنا عائشة رضي الله عنها في هذا .

ثم النص ورد بمنع المورس على ما قدمنا وهو دون المعصفر في الرائحة فيمنع المعصفر بطريق أولى ، لكن تقدم في حديث أبي داود قوله عليه الصلاة والسلام { ولتلبس بعد ذلك ما شاءت من ألوان الثياب من معصفر } إلخ وكذا حديث ابن عباس رضي الله عنه حيث قال " فلم ينه عن شيء من الأردية والأزر تلبس إلا المزعفرة التي تردع الجلد " قلنا : أما الثاني فقد ثبت تخصيصه فإنه قد ثبت منع المورس فيمنع المعصفر بدلالته أي بفحواه ، بل التحقيق أنه لا تخصيص إذ لا تعارض أصلا لأن النص لا يفيد أكثر من أن النهي كان وقع عن المزعفرة التي تردع وسكت عن غيرها ، وذلك أن قوله لم ينه إلا عن المزعفرة التي تردع : إنما هو قول الراوي حكاية عن الحال وهو صادق إذا كان الواقع منه عليه الصلاة والسلام النهي عن المزعفرة من غير تعرض لغيرها بأن لم يكن المثير للجواب إلا في المزعفر ، وليس في هذا أنه صرح بإطلاق غيره فيكون حينئذ نص المورس ، وفحواه في المعصفر خاليين عن المعارض وليس تخصيصا أيضا .

وأما الأول ففي موطإ مالك " أن عمر رضي الله عنه رأى على طلحة بن عبيد الله ثوبا مصبوغا وهو محرم ، فقال : ما هذا الثوب المصبوغ يا طلحة ؟ فقال : يا أمير المؤمنين إنما هو مدر ، فقال عمر رضي الله عنه : أيها الرهط إنكم أئمة يقتدي بكم الناس ، فلو أن رجلا جاهلا رأى هذا الثوب لقال إن طلحة بن عبيد الله كان يلبس الثياب المصبغة في الإحرام فلا تلبسوا أيها الرهط شيئا من هذه الثياب المصبغة " ا هـ . فإن صح كونه بمحضر من الصحابة أفاد منع المتنازع فيه وغيره ، ثم يخرج الأزرق ونحوه بالإجماع عليه ، ويبقى المتنازع فيه داخلا في المنع .

والجواب المحقق إن شاء الله سبحانه أن نقول : ولتلبس بعد ذلك إلخ مدرج فإن المرفوع صريحا هو قوله " سمعته ينهى عن كذا " وقوله " ولتلبس " بعد ذلك ليس من متعلقاته ولا يصح جعله عطفا على ينهى لكمال الانفصال بين الخبر والإنشاء فكان الظاهر أنه مستأنف من كلام ابن عمر [ ص: 444 ] رضي الله عنهما فتخلو تلك الدلالة عن المعارض الصريح ، أعني منطوق المورس ومفهومه الموافق ، فيجب العمل به

التالي السابق


الخدمات العلمية