صفحة جزء
قال ( ثم ابتدأ بالحجر الأسود فاستقبله وكبر وهلل ) لما روي { أن النبي عليه الصلاة والسلام دخل المسجد فابتدأ بالحجر فاستقبله وكبر وهلل } ( ويرفع يديه ) لقوله عليه الصلاة والسلام [ ص: 449 ] { لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن وذكر من جملتها استلام الحجر } قال ( واستلمه إن استطاع من غير أن يؤذي مسلما ) لما روي { أن النبي عليه الصلاة والسلام قبل الحجر الأسود ووضع شفتيه عليه } [ ص: 450 ] " وقال لعمر رضي الله عنه : إنك رجل أيد تؤذي الضعيف فلا تزاحم الناس على الحجر ، ولكن إن وجدت فرجة فاستلمه وإلا فاستقبله وهلل وكبر " . ولأن الاستلام سنة والتحرز عن أذى المسلم واجب .


( قوله ثم ابتدأ بالحجر الأسود فاستقبله وكبر وهلل لما روي إلخ ) أما الابتداء بالحجر ففي حديث جابر الطويل المتقدم ما يدل عليه فارجع إليه ، ولأنه لما كان أول ما يبدأ به الداخل الطواف لما قدمناه من قريب لزم أن يبدأ الداخل بالركن لأنه مفتتح الطواف .

قالوا : أول ما يبدأ به داخل المسجد محرما كان أو لا الطواف لا الصلاة ، اللهم إلا إن دخل في وقت منع الناس من الطواف أو كان عليه فائتة مكتوبة أو خاف فوت المكتوبة أو الوتر أو سنة راتبة ، أو فوت الجماعة في المكتوبة فيقدم كل ذلك على الطواف ثم يطوف ، فإن كان حلالا فطواف تحية أو محرما بالحج فطواف القدوم وهو أيضا تحية إلا أنه خص بهذه الإضافة ، هذا إن دخل قبل يوم النحر ، فإن دخل فيه فطواف الفرض يغني كالبداءة بصلاة الفرض تغني عن تحية المسجد أو بالعمرة فبطواف العمرة ، ولا يسن في حقه طواف القدوم ، وأما التكبير والتهليل ففي مسند أحمد رحمه الله عن سعيد بن المسيب عن عمر " أنه عليه الصلاة والسلام قال له : إنك رجل قوي لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضعيف ، إن وجدت خلوة فاستلمه وإلا فاستقبله وكبر وهلل " .

وعند البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما { أنه عليه الصلاة والسلام طاف على بعير كلما أتى على الركن أشار إليه بشيء في يده وكبر } وعند أبي داود { أنه صلى الله عليه وسلم اضطبع فاستلم وكبر ورمل } وقال الواقدي : حدثني محمد بن عبد الله عن الزهري عن سالم بن عمر عن ابن عمر رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم لما انتهى إلى الركن استلمه وهو مضطبع بردائه وقال : باسم الله والله أكبر إيمانا بالله وتصديقا بما جاء به محمد } .

ومن المأثور عند الاستلام اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ، لا إله إلا الله والله أكبر اللهم إليك بسطت يدي وفيما عندك عظمت رغبتي فاقبل دعوتي وأقلني عثرتي وارحم تضرعي وجد لي بمغفرتك وأعذني من مضلات الفتن ( قوله ويرفع يديه ) يعني عند التكبير لافتتاح الطواف ( لقوله عليه الصلاة والسلام : [ ص: 449 ] { لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن } ) تقدم في الصلاة ، وليس فيه استلام الحجر ويمكن أن يلحق بقياس الشبه لا العلة ، ويكون باطنهما في هذا الرفع إلى الحجر كهيئتهما في افتتاح الصلاة ، وكذا يفعل في كل شوط إذا لم يستلمه ( قوله واستلمه ) يعني بعد الرفع للافتتاح والتكبير والتهليل يستلمه .

وكيفيته أن يضع يده على الحجر ويقبله لما في الصحيحين { أن عمر رضي الله عنه جاء إلى الحجر فقبله . وقال : إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك }

وروى الحاكم حديث عمر رضي الله عنه وزاد فيه " فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : بلى يا أمير المؤمنين يضر وينفع ، ولو علمت تأويل ذلك من كتاب الله لقلت إنه كما أقول : قال الله تعالى { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى } فلما أقروا أنه الرب عز وجل وأنهم العبيد كتب ميثاقهم في رق وألقمه في هذا الحجر ، وإنه يبعث يوم القيامة وله عينان ولسان وشفتان يشهد لمن وافاه فهو أمين الله تعالى في هذا الكتاب ، فقال له عمر رضي الله عنه : لا أبقاني الله بأرض لست بها يا أبا الحسن " وقال : ليس هذا الحديث على شرط الشيخين فإنهما لم يحتجا بأبي هارون العبدي .

ومن غرائب المتون ما في ابن أبي شيبة في آخر مسند أبي بكر رضي الله عنه عن { رجل رأى النبي صلى الله عليه وسلم وقف عند الحجر فقال : إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ثم قبله ، ثم حج أبو بكر رضي الله عنه فوقف عند الحجر فقال : إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك } فليراجع إسناده ، فإن صح يحكم ببطلان حديث الحاكم لبعد أن يصدر هذا الجواب عن علي رضي الله عنه ، أعني قوله بل يضر وينفع بعدما قال النبي صلى الله عليه وسلم { لا يضر ولا ينفع } لأنه صورة معارضة ، لا جرم أن الذهبي قال في مختصره عن العبدي إنه ساقط ، وعمر رضي الله عنه إنما قال ذلك أو النبي صلى الله عليه وسلم إزالة لوهم الجاهلية من اعتقاد الحجارة التي هي الأصنام ، ثم هذا التقبيل لا يكون له صوت .

وهل يستحب السجود على الحجر عقيب التقبيل ؟ فعن ابن عباس رضي الله عنهما [ ص: 450 ] أنه كان يقبله ويسجد عليه بجبهته . وقال " رأيت عمر رضي الله عنه قبله ثم سجد عليه ، ثم قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ففعلته " رواه ابن المنذر والحاكم وصححه .

وما رواه الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما { أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد على الحجر } وصححه يحمل على أنه مرسل صحابي لما صرح من توسط عمر ، إلا أن الشيخ قوام الدين الكاكي قال : وعندنا الأولى أن لا يسجد لعدم الرواية في المشاهير ، ونقل السجود عن أصحابنا الشيخ عز الدين في مناسكه ( قوله وقال لعمر ) في رواية لابن ماجه عن ابن عمر قال { استقبل النبي صلى الله عليه وسلم الحجر ثم وضع شفتيه عليه يبكي طويلا ثم التفت فإذا هو بعمر بن الخطاب يبكي فقال يا عمر هاهنا تسكب العبرات }

التالي السابق


الخدمات العلمية