صفحة جزء
قال ( وإن ) ( أمكنه أن يمس الحجر شيئا في يده ) كالعرجون وغيره ( ثم قيل ذلك فعل ) لما روي { أنه عليه الصلاة والسلام طاف على راحلته واستلم الأركان بمحجنه } [ ص: 451 ] وإن لم يستطع شيئا من ذلك استقبله وكبر وهلل وحمد الله وصلى على النبي عليه الصلاة والسلام .


( قوله وإن أمكنه أن يمس الحجر شيئا في يده ) أو يمسه بيده ( ويقبل ما مس به فعل ) أما الأول فلما أخرج الستة إلا الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما { أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف في حجة الوداع على راحلته يستلم الحجر بمحجنه لأن يراه الناس وليشرف وليسألوه فإن الناس غشوه } .

وأخرجه البخاري عن جابر إلى قوله لأن يراه الناس . ورواه مسلم عن أبي الطفيل { رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت على راحلته يستلم الركن بمحجن معه ويقبل المحجن } .

وهاهنا إشكال حديثي ، وهو أن الثابت بلا شبهة { أنه عليه الصلاة والسلام رمل في حجة الوداع في غير موضع } ومن ذلك حديث جابر الطويل فارجع إليه ، وهذا ينافي طوافه على الراحلة . فإن أجيب : بحمل حديث الراحلة على العمرة دفعه حديث عائشة رضي الله عنها في مسلم { طاف عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع على راحلته يستلم الركن كراهية أن يصرف الناس عنه } ومرجع الضمير فيه إن احتمل كونه الركن : يعني أنه لو طاف ماشيا لانصرف الناس عن الحجر كلما جاء إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم توقيرا له أن يزاحم ، لكنه يحتمل كون مرجعه النبي صلى الله عليه وسلم : يعني لو لم يركب لانصرف الناس عنه ، لأن كل من رام الوصول إليه لسؤال أو لرؤية لاقتداء لا يقدر لكثرة الخلق حوله ، فينصرف من غير تحصيل حاجته فيجب الحمل عليه لموافقة هذا الاحتمال حديث ابن عباس ، فيحصل اجتماع الحديثين دون تعارضهما .

والجواب : أن في الحج للآفاقي أطوفة فيمكن كون المروي من ركوبه كان في طواف الفرض يوم النحر ليعلمهم ، ومشيه كان في طواف القدوم وهو الذي يفيده حديث جابر الطويل لأنه حكى ذلك الطواف الذي بدأ به أول دخوله مكة ، كما يفيده سوقه للناظر فيه . فإن قلت : فهل يجمع بين ما عن ابن عباس وعائشة رضي الله عنهم { إنما طاف راكبا ليشرف ويراه الناس فيسألوه } ، وبين ما عن سعيد بن جبير أنه إنما طاف كذلك لأنه كان يشتكي .

كما قال محمد : أخبرنا أبو حنيفة عن حماد بن أبي سليمان { أنه سعى بين الصفا والمروة مع عكرمة [ ص: 451 ] فجعل حماد يصعد الصفا وعكرمة لا يصعد . ويصعد حماد المروة وعكرمة لا يصعدها ، فقال حماد : يا أبا عبد الله ألا تصعد الصفا والمروة ؟ فقال : هكذا كان طواف رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال حماد : فلقيت سعيد بن جبير فذكرت له ذلك ، فقال إنما طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته وهو شاك يستلم الأركان بمحجن ، فطاف بين الصفا والمروة على راحلته فمن أجل ذلك لم يصعد } ا هـ .

فالجواب بأن يحمل ذلك على أنه كان في العمرة .

فإن قلت : قد ثبت في مسلم عن ابن عباس إنما { سعى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورمل بالبيت ليري المشركين قوته } وهذا لازم أن يكون في العمرة إذ لا مشرك في حجة الوداع بمكة .

فالجواب : نحمل كلا منهما على عمرة غير الأخرى ، والمناسب حديث ابن عباس كونه في عمرة القضاء لأن الإرادة تفيده فليكن ذلك الركوب للشكاية في غيرها وهي عمرة الجعرانة . وسنسعفك بعد عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في باب الفوات إن شاء الله تعالى ، وأما الثاني ففي الصحيحين واللفظ لمسلم عن نافع قال { رأيت ابن عمر يستلم الحجر بيده ثم يقبل يده ، وقال : ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله } وذكر في فتاوى قاضي خان مسح الوجه باليد مكان تقبيل اليد ( قوله فإن لم يستطع شيئا من ذلك ) أي من التقبيل والمس باليد أو بما فيها ( استقبله ) ويرفع يديه مستقبلا بباطنهما إياه ( وكبر وهلل وحمد الله وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ) ويفعل في كل شوط عند الركن الأسود ما يفعله في الابتداء

التالي السابق


الخدمات العلمية