صفحة جزء
قال ( ويجعل طوافه [ ص: 452 ] من وراء الحطيم ) وهو اسم لموضع فيه الميزاب ، سمي به لأنه حطم من البيت : أي كسر ، وسمي حجرا لأنه حجر منه : أي منع ، وهو من البيت لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها { فإن الحطيم من [ ص: 453 ] البيت } فلهذا يجعل الطواف من ورائه ، حتى لو دخل الفرجة التي بينه وبين البيت لا يجوز ، إلا أنه إذا استقبل الحطيم وحده لا تجزيه الصلاة لأن فرضية التوجه ثبتت بنص الكتاب فلا تتأدى بما ثبتت بخبر الواحد احتياطا ، والاحتياط في الطواف أن يكون وراءه .


( قوله لقوله عليه الصلاة والسلام ) في الصحيحين واللفظ لمسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت { سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحجر أمن البيت هو ؟ قال نعم ، قلت : فما بالهم لم يدخلوه في البيت ؟ قال : إن قومك قصرت بهم النفقة ، قلت : فما شأن بابه [ ص: 453 ] مرتفعا ؟ قال : فعل ذلك قومك ليدخلوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا ، ولولا أن قومك حديث عهد بكفر وأخاف أن تنكره قلوبهم لنظرت أن أدخل الحجر بالبيت وأن ألزق بابه بالأرض } .

وفي سنن أبي داود والترمذي عن عائشة رضي الله عنها { كنت أحب أن أدخل البيت وأصلي فيه ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فأدخلني في الحجر فقال : صلي في الحجر إذا أردت دخول البيت فإنما هو قطعة من البيت ، وإن قومك اقتصروا حين بنوا الكعبة فأخرجوه من البيت } قال الترمذي : حسن صحيح . وكان عبد الله بن الزبير هدمه في خلافته وبناه على ما أحب عليه الصلاة والسلام أن يكون ، فلما قتل أعاده الحجاج على ما كان يحبه عبد الملك بن مروان . قال عبد الملك : لسنا من تخليط أبي خبيب في شيء فهدمها وبناها على ما كانت عليه . فلما فرغ جاءه الحارث بن أبي ربيعة المعروف بالقباع ، وهو أخو عمر بن أبي ربيعة الشاعر ومعه رجل آخر فحدثاه عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديث المتقدم فندم ، وجعل ينكت الأرض بمحضرة في يده ويقول : وددت أني تركت أبا خبيب وما عمل من ذلك

، ذكر السهيلي هذا ، وليس الحجر كله من البيت بل ستة أذرع منه فقط لحديث عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { ستة أذرع من الحجر من البيت وما زاد ليس من البيت } رواه مسلم ( قوله لا يجوز ) أي لا يحل له ذلك فتجب إعادة كله ليؤديه على وجهه المشروع فإن لم يفعل بل أعاد على الحجر فقط ودخل الفرجتين جاز ، وإن لم يفعل حتى رجع إلى أهله فسيأتي في باب الجنايات إن شاء الله تعالى .

ولو طاف ولم يدخل الفرجتين بل كان يرجع كلما وصل إلى بابهما ففي الغاية لا يعد عوده شوطا لأنه منكوس ا هـ . وهو بناء على أن طواف المنكوس لا يصح لكن المذهب الاعتداد به . ويكون تاركا للواجب ، فالواجب هو الأخذ في الطواف من جهة الباب فيكون بناء الكعبة على يسار الطائف فتركه ترك واجب ، فإنما يوجب الإثم فيجب إعادته ما دام بمكة .

فإن رجع قبل إعادته فعليه دم . والافتتاح من غير الحجر اختلف فيه المتأخرون ، قيل : لا يجزيه لأن الأمر بالطواف في الآية مجمل في حق الابتداء فالحق فعله عليه الصلاة والسلام بيانا . وقيل : يجزيه لأنها مطلقة لا مجملة غير أن الافتتاح من الحجر واجب . لأنه عليه الصلاة والسلام لم يتركه قط ( قوله لأن فرضية التوجه ) تقدم مثله في عدم جواز التيمم على أرض تنجست ثم جفت ، وتقدم البحث فيه بأن قطعية التكليف بفعل يتعلق بشيء لا يتوقف الخروج عن عهدته على القطع بذلك الشيء .

بل ظنه كاف للقطع بالتكليف باستعمال الطاهر من الماء ثم يخرج عن عهدية القطع باستعمال ما يظن [ ص: 454 ] طهارته منه . ويجاب بأن الأصل عدم الانتقال عن الشغل المقطوع به إلا بالقطع به ، غير أن ما لم يوجد فيه طريق للقطع يكتفى فيه بالظن ضرورة كحال الماء فإنه لا يتيقن بطهارته إلا حال نزوله من السماء .

وكونه في البحر وما له حكمه ، وليس يتمكن كل أحد من تحصيل ذلك في كل تطهير بخلاف التوجيه والتيمم ، والله سبحانه وتعالى أعلم

التالي السابق


الخدمات العلمية